لا تزال أصداء السابقة القضائية التى انفرد بها المستشار محمود كامل الرشيدى، رئيس محكمة جنايات القاهرة، أول من أمس فى محاكمة القرن، بعرض تقرير مصور من داخل غرفة المداولة لملفات وأوراق القضية، تثير جدلا فى الوسط القضائى حتى الآن، حتى إن البعض ذهب إلى فقد صلاحية القاضى فى نظر القضية، بينما طالب البعض الآخر بالتحقيق معه فى الواقعة من قبل مجلس القضاء الأعلى. الحقيقة وإن كانت تلك الواقعة هى الأولى من نوعها فى تاريخ القضاء، إلا أن هناك وقائع أخرى بخلافها تعد أيضا من السوابق، ومن الأمور المستحدثة التى لم تشاهد إلا بعد ثورة يناير 2011. رفعت.. «استحدث اتهاما لا يوجد له نص قانونى» فقضية القرن وفى مرحلتها الأولى قبل الطعن، حين كان ينظرها المستشار أحمد رفعت، رئيس محكمة جنايات القاهرة، وجه اتهاما إلى الرئيس بالامتناع السلبى عن حماية المتظاهرين، وهو ما كان محل طعن على الحكم، حيث كان هناك اختلافات حول هذه التهمة «الامتناع السلبى»، لأنها لم تستند إلى نص قانونى، وغير منصوص عليها فى نصوص قانون العقوبات، إنما هى مساءلة فقهية استند إليها القاضى فى حكمه، وكانت محل جدل. مصدر: القضاء المصرى قائم على تقاليد بدأت تتعرض ل«محدثات» بعد الثورة مصدر قضائى بمحكمة الاستئناف، فضل عدم ذكر اسمه، قال ل«الدستور الأصلي»، إنه منذ عام 1943 والقضاء المصرى يقوم على مجموعة من التقاليد الموروثة والأعراف والثوابت، التى لا تتغير، أما الآن فقد بدأت المحدثات تدخل على القضاء بعد ثورة يناير، حيث يتخذ بعض القضاة إجراءات غير مسبوقة لم نعايشها خلال السنوات الطويلة الماضية. المصدر تابع أن واقعة المستشار محمود الرشيدى فريدة من نوعها، ولم نشهدها على الإطلاق طوال ال60 عاما الماضية، فى حين أن لجوء المستشار أحمد رفعت إلى توجيه اتهام للمخلوع مبارك كان مبنيا على تأصيل فقهى وليس نصا قانونيا، وأضاف أنه ليس هناك نص قانونى فى قانون العقوبات ينص على جريمة الامتناع السلبى، فهذا تخريج من الفقه وليس القانون، وأشار إلى أن هذا الاتهام لم يوجه إلى المتهم فى أثناء المحاكمة حتى يدافع عن نفسه، إنما تم ذكره فى أسباب الحكم، وبالتالى لم يتمكن المتهمون من الدفاع عن أنفسهم. كما أن قانون الإجراءات الجنائية يلزم المحكمة فى حال تعديلها لقيد ووصف الاتهام إلى اتهام آخر غير مطروح على المحكمة، أن تنبه المتهم إلى هذا التعديل، وهذا الاتهام الجديد حتى يقوم بالدفاع عن نفسه، وهذا لم يحدث. قاضى إعدامات الإخوان حكم فى الجلسة الثانية.. وقاضى إعادة محاكمة قتلة سوزان تميم لم يستمع إلى المرافعات هنا يشير المصدر إلى وقائع أخرى مماثلة كانت جديدة ومستحدثة على القضاء المصرى، منها على سبيل المثال، ذلك الحكم الذى صدر من محكمة جنايات المنيا فى ثانى جلسة لها وقبل سماع الشهود أو الدفاع أو تقديم طلبات أو مذكرات أو أى شىء من إجراءات المحاكمة الطبيعية المعروفة فى أى دعوى، بإحالة أوراق 529 من عناصر وقيادات الإخوان إلى المفتى، وبراءة 16 آخرين فى القضية المنظورة أمام المحكمة والمتهم فيها 545 من قيادات الإخوان، بالاعتداء على مركز شرطة مطاى، وقتل والشروع فى قتل ضباط، وكان الجدل هنا ليس على الحكم نفسه، لكن فى السرعة التى تم بها، حيث كان فى ثانية جلسات الدعوى، خصوصا أن عدد المتهمين كان كبيرا جدا. كما أن القاضى الراحل عادل عبد السلام جمعة، فى قضية رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى ومحسن السكرى المتهمين بقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، وفى مرحلة ما بعد إعادة المحاكمة، أصدر حكمه دون سماع مرافعة أى من أعضاء هيئة الدفاع، ولم يسمح لهم بتقديم مذكرات الدفاع من الأساس، وهو ما يخالف قانون الإجراءات الجنائية. الرشيدي.. سمح بالتصوير فى غرفة المداولات «السرية» وتظل واقعة المستشار محمود الرشيدى، حسب تعليقات وآراء شيوخ القضاة والمحاماة هى الأغرب، فلم يعهد لأحد من القضاة أن سمح بالتصوير داخل غرفة المداولة أو أن يعبث بأوراق الدعوى، حيث ينص القانون على سرية المداولة، وتحدديا مددكان المداولة سرا، وتنص المادتان 166 و167 من قانون المرافعات على: «تكون المداولة فى الأحكام سرا بين القضاة مجتمعين»، «لا يجوز أن يشترك فى المداولة غير القضاة، الذين سمعوا المرافعة وإلا كان الحكم باطلا». السيد: القاضى ليس مكلفا ولا مطلوبا منه تبرير تأجيل النطق بالحكم من جانبه أكد المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة الجنايات السابق، أنه خلال الخمسين سنة الماضية التى عمل فيها بالقضاء لم يمر عليه مثل هذه الواقعة، ولم ير أو يسمع عن شىء مماثل لها، وأضاف: «كما أنه من خلال قراءتى فى العالم كله لم أسمع عن مثل هذه الواقعة من قاض، هذه هى المرة الأولى التى يتم الدخول فى غرفة مداولة القضاة والعبث بأوراق الدعوى، وأعتقد أنها الأخيرة، لأنه لن يجرؤ قاض أن يفعل هذا بعد أن فعل هذا القاضى»، وتابع أن القاضى ليس مكلفا، ولا مطلوبا منه أن يبرر قرار تأجيل النطق بالحكم، كما أنه ليس مطلوبا منه على الإطلاق أن يشرح للجمهور خطته فى دراسة القضية وكتابة أسبابها وعدد صفحات حكمها قبل وضعه، هذه كلها أمور ليست من اختصاص القضاء، ولا يجوز له أن يعرضها على الجمهور. وهو نفس ما ذهب إليه المستشار أحمد مدحت المراغى، رئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق، الذى أكد أنه من خلال خبرته فى القضاء وفى المحاكم، فواقعة المستشار الرشيدى هى فريدة من نوعها، ولم تحدث مثلها فى تاريخ القضاء المصرى، لأنه ليس من حق أى أحد أن يطلع على أوراق الدعوى، وقال «لا أتذكر إن حدث مثل هذا الأمر»، وأكد أنه ما كان يجب على المراسلة التى قامت بالتصوير أن تطلع على الأوراق، وتابع ربما أن رئيس المحكمة قد يكون رأى أن هذه القضية تاريخية، وتتعلق برئيس دولة سابق ففعل هذا.