علينا أن نعترف ان انتخابات البرلمان الجديد.. تتعثر.. ولا أحد بالضبط يعلم متي تجري هذه الانتخابات.. وسبق ان قالوا انها سوف تجري قبل نهاية العام الحالي.. ثم قالوا انها ستجري قبل المؤتمر الاقتصادي لدعم مصر في فبراير القادم.. ثم قيل انها عقب هذا المؤتمر الذي قالوا انه سيعقد في مارس القادم.. فهل البرلمان مرتبط بهذا المؤتمر.. أم ماذا؟! انني أري وقد عشت تجارب برلمانية عديدة منذ انتخابات يناير 1950 ان التأجيل، وتوالي التأجيل، يضر بحاضر البلاد ومستقبلها. فإذا كانت الأحزاب- حتي الآن- غير مستعدة.. فإنها لن تستعد أبداً لأن الخلافات وتعدد الاتجاهات يدخلها- ونحن معها- في حسبة برما.. بل تزيد الحالة انقساماً وتفتتاً.. وكفانا ان في بلادنا الآن حوالي 100 حزب.. وهذا قمة الانقسام. وأري ان هذا التعدد الحزبي هو الوسيلة المثلي لعودة الإخوان إلي الحكم سواء علانية، أو تحت رايات أحزاب دينية أخري، رغم النص صراحة في الدستور علي عدم قيام أي أحزاب ذات خلفية أو مرجعية دينية فقد يتسترون تحت لواء أي تيار سلفي- مهما قيل عن اختلافات التوجه- وقد يستترون تحت أي حزب أو تيار جديد- من تلك التيارات غير معروفة التوجه.. وما أكثر من كانوا تحت الأرض.. ثم خرجوا من تحت الأرض. وبالتالي فإن هذا التعدد الحزبي الكبير هو الفرصة الأفضل للإخوان ومن علي شاكلتهم ليفوزوا بالعدد الأكبر من المقاعد.. وبالتالي يشكلون الحكومة القادمة.. وستكون قطعاً حكومة لا تعبر عن إرادة كل المصريين ونخشي أن يتحقق ذلك بسبب هذا التمزق الحزبي والخلافات علي الحصص، أو المزايا، أقصد المقاعد.. بل أكاد- ان استمر هذا التمزق- أري صورة تمزق حكومي رهيب قادم وهو يرتدي ثياب الثورة ولكنها في حقيقتها ترتدي ثياب التيارات الدينية.. وهنا أكاد أجزم ان حكاية حوارات وخلافات السوفسطائيين التي وقعت من مئات السنين سوف تتكرر عندنا- بسبب هذا التمزق والخلافات الحزبية- وللأسف نحن غارقون حتي آذاننا في الخلافات، بينما العدو هذه المرة يعبث في داخلنا، أي في عمق أرضنا.. تماماً كما هو كامن علي الحدود ومن كل جانب.. يستعد ويسن أسلحته للقفز علي الوطن. ثم.. ما الذي يؤخر- حتي الآن- الإعلان الجديد لتقسيم الدوائر، ولماذا تقسيم الدوائر دائماً ما يجري قبيل أي انتخابات، بل لماذا لا تستقر الدوائر لعشرات السنين، كما يحدث في أي دولة إفريقية، أم أن للتقسيم أغراضاً أخري؟ وهل الهدف هو سد أي ثغرات يمكن أن تتسلل منها تيارات معينة.. ولماذا نحن دائماً نترك الفرصة لأعداء الوطن لكي يسبقونا بخطوات عديدة.. وبذلك تكون تحركاتنا دائماً.. مجرد ردود أفعال.. لتحركات أعدائنا. والمزعج أن التيارات الأخري ليست وحدها التي تعبث لتقفز علي كراسي الحكم.. لماذا تزداد شوكة أصحاب المال السياسي.. والأعجب اننا ونحن الذين عانينا من تزاوج المال بالسلطة في السنوات الأخيرة لعصر الرئيس «مبارك».. نسمح بعودة هذا التزاوج، وعندنا أكثر من دليل. بل نكاد نجزم ان المعركة الانتخابية القادمة سوف تجري بين هذين التيارين: الأول التيار الديني بمختلف توجهاته وأحلامه.. والثاني تيار المال السياسي.. فإذا كان التيار الظاهر الآن تحت عباءة رجال الأعمال.. فإن التيار الديني يمتلك عناصر أكثر قدرة: من التنظيم ومن المال معاً، بينما التيار الحزبي المتعدد يكاد لا يملك شيئاً مما يملك هذا التيار أو ذاك. إذا لم تتوحد الأحزاب المتصارعة الآن، تحت عدد أقل وتجمعها المصلحة العليا للوطن.. فإن أحد التيارين الآخرين هو الفائز لا محالة في المعركة الانتخابية.. ان لم يقتسما- هما معاً- مقاعد السلطة والسلطان.. وتضيع مصلحة الوطن تحت ضربات مصالح هذا التيار أو ذاك. نعم.. العدو الآن داخل الوطن ويحاصره من الخارج، والأحزاب التي يفترض أن تكون هي الأكثر وعياً وقدرة علي العمل السياسي.. تكون هي القادرة علي قيادة الوطن في هذه المرحلة شديدة الخطورة.. ولكنني أخشي ألا نستيقظ إلا بعد فوات الأوان.. أو بعد خراب مالطة، كما يقول المثل الشعبي. وقد يكون الخلاف بين الأحزاب هو سبب تأجيل الانتخابات علي أمل أن تتحد.. أو تشكل قوة قومية تقود الانتخابات.. ولكنني أري ان التأجيل- أيضاً يصب في مصلحة الإخوان وغيرهم من التيارات الدينية الأخري، فالتأخير يعطيهم كلهم الفرصة لتنظيم أكبر.. وتكتيك أفضل.. يضربون به أي تخطيط للأحزاب التي نتمني أن تقود العمل السياسي. حتي لا نفيق إلا علي برلمان أقليات وحكومة أقليات لا يستطيع هو ولا الحكومة أن تلبي رغبات الذين قاموا بالثورة. لأننا بذلك سوف نصحو علي ثورة جديدة.. صدقوني.. هذا هو تحليلي لما أراه الآن علي الساحة السياسية المصرية.