كانت تونس هي اللبنة الأولي في بناء الديمقراطية العربية الحديثة عندما اشتعلت بالثورة في يناير 2011 مفتتحة صفحات ثورات الربيع العربي، إذ تلتها مصر..ثم ليبيا.. وسوريا واليمن. ولكن قفزت تيارات كانت تحلم بالحكم إلي السلطة هنا.. وهناك. وكما نجح «الاخوان» في القفز إلي سدة الحكم في تونس من خلال حركة حزب النهضة الإسلامي بقيادة راشد الغنوشي.. قفز الاخوان إلي السلطة في مصر.. وكما سيطر حزب النهضة الاخواني علي الحكم والبرلمان في تونس سيطر الاخوان علي الحكم والبرلمان في مصر.. ولكن سرعان ما انكشف المستور في تونس.. كما انكشف في مصر فقد أثبتت التجربة هناك، كما أثبتتها هنا، أن الاخوان لا يملكون نظرة حقيقية لما بعد وصولهم إلي الحكم.. ولذلك سرعان ما سقط حكم الاخوان في مصر: رئاسياً وبرلمانياً.. كما سقط حكم الاخوان في تونس أيضاً رئاسياً وبرلمانياً.. وهاهي نتائج انتخابات أول برلمان في ظل الدستور التونسي الجديد تؤكد ما نقول.. هاهم «إخوان تونس» تتراجع شعبيتهم هناك.. وخسروا الكثير من المقاعد التي سبق أن حصلوا عليها في البرلمان السابق وهو المجلس التأسيسي الذي انتخبه التونسيون في أكتوبر عام 2011.. وبعد أن كانت حركة حزب النهضة الإسلامية تحوز المركز الأول في الانتخابات السابقة «في عام الثورة» تراجعت حركة حزب النهضة الاخواني إلي المركز الثاني في الانتخابات التي تمت في الأيام الأخيرة.. وجاء حزب نداء تونس برئاسة الباجي قائد السبسي «بالباء وليس بالياء!» ليحصد المركز الأول بعد فوزه بخمسة وثمانين مقعداً.. وجاء الاخوان في المركز الثاني بحصولهم علي 69 مقعداً بعد أن حشدوا 19 مقعداً. وجاء حزب الاتحاد الوطني الحر لرجال الأعمال «ولاحظوا ذلك» في المركز الثالث بحصوله علي 16 مقعداً. وجاء في المركز الرابع الجبهة الشعبية اليسارية بحصولها علي 15 مقعداً ثم حزب أفاق تونس الليبرالي بحصوله علي 8 مقاعد. ولكن أكثر من ملاحظة علي هذه النتائج غير خسارة الاخوان لما سبق أن حصلوا عليه في عام الثورة.. ذلك ان أحداً في تونس لم يحصل علي أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة قوية.. فإذا كان عدد مقاعد البرلمان كلها هي 217 مقعداً فإن أي حزب لم يحصل علي نسبة 50٪ + واحد، لكي يشكل الحكومة منفرداً.. وهذا يعني أنه حتي الحزب الحاصل علي العدد الأكبر لن يستطيع منفرداً حكم تونس.. مما يضطره إلي الائتلاف مع غيره من باقي القوي السياسية هناك.. أي ستصبح حكومة هشة تسقط بمجرد خروج أي ائتلاف من الحكومة.. وهنا تبدأ التنازلات والصراعات وتنازع القوي.. مما يضيع فرصة بناء ديمقراطية قوية أو وطن قوي.. وهذا نفس ما أتوقع حدوثه هنا في مصر.. وهنا مكمن الخطر.. الملاحظة الثانية هي أن رجال الأعمال مازالوا مؤثرين في سير الحياة هناك.. بل جاءوا من خلال حزبهم «الاتحاد الوطني الحر» في المركز الثالث.. فهل يتحالف الحزب الأول «حزب نداء تونس» مع رجال الأعمال أو يتحالف مع التيار اليساري.. وهي الجبهة اليسارية.. أم يسعي إلي الحزب الليبرالي «آفاق تونس» أم ماذا يفعل.. ومن المؤكد أن الحزب الأول «حزب نداء تونس» الذي يقوده، أحد قادة معركة الاستقلال في الخمسينيات.. وكان رئيسه الباجي قائد السبسي رفيقاً للرئيس التونسي التاريخي الحبيب بورقيبة.. أغلب الظن أنه لم يمد يده للاخوان - رغم ما بقي لهم من قوة لأنه يخشي ألاعيبهم التي أصبحت معروفة للكل. وإذا كنا عندنا نخشي حتي الآن قوة الاخوان ومؤامراتهم وارهابهم.. إلا أن الرفض الشعبي الواضح لن يسمح بذلك لا في تونس.. ولا في مصر.. ولكنني أري أن الدرس الأول المستفاد من انتخابات تونس هو أن الانتخابات القادمة وأغلب الظن أنها ستجري في فبرابر القادم، لاستكمال مضلع خارطة الطريق يجب أن تخطط لها جيداً.. وان نعي أننا بالتمزق الحزبي الحالي عندنا الآن، لن يحصد أي حزب مصري الأغلبية التي يمكن أن تمكنه من تشكيل الحكومة القوية القادمة، التي يمكن أن نطلق عليها حقيقة اسم «حكومة الثورة» والسبب هو هذا التعدد الحزبي الرهيب الذي يقترب من 100 حزب والعدد في الليمون. وسوف تتكرر عندنا نفس ما جاءت به نتائج انتخابات تونس وهو غياب حزب قوي قادر علي حكم البلاد.. واضطرار الحزب الحاصل علي مقاعد أكبر ان يتحالف مع العديد من الأحزاب فهل يتحالف مثلا مع الأحزاب التي تمثل رجال الأعمال أو يقف وراءها رجال الأعمال.. وهنا تتكرر مأساة تزاوج السلطة والمال، وهو ما عانت منه مصر طويلاً.. نقول ذلك لأن كل هذه الأحزاب بلا استثناء «أعلنت» رفض مد يديها إلي أي حزب أو تيار ينتمي لأي تيار سياسي ديني.. وهنا تدخل مصر دوامة الحكومة الائتلافية التي تتصارع علي السلطة.. وقد لا تكون مصلحة مصر العليا هي هاجسها الأكبر.. نريدها حكومة وحدة وطنية حقيقية.. لا نوعاً من الشتات السياسي الذي يضر.. أكثر مما يفيد.. وخذوا العبرة من تجربة تونس.