السبيل إلى البرلمان القادم غير واضح.. اختيار النظام الفردى فى الانتخاب يلقى بظلاله على مستقبل البرلمان وشكله وتركيبته وأدائه.. النظام الفردى فى مصر له خصوصيته وتاريخه وملامح سيئة معروفة متكررة.. الناس تستقبله بملل وفتور ونفور. لأن الناس تحمل فى ذاكرتها الجماعية تجاه تلك الطريقة فى الانتخاب فكرة أنها الباب المفتوح لكل فاسد يمتلك مالية وكل مؤيد من النظام الحاكم.. وكل راغب فى حماية أوضاعه المالية أو القانونية.. المهم أن يكتسب حصانة...!! الناس غير راضية ومبتعدة وغير مكترثة.. وتلك كارثة. سماسرة الانتخابات مازالوا يعيثون فى الأرض فسادًا.. يعتقدون أنهم الواسطة بين المرشح والناس.. وأنهم الممر للوصول للأصوات.. ويشيعون أنهم المتاريس للاغلاق والفتح.. يصنعون من أنفسهم حواجز وموانع ثقيلة وثمينة لابد من العبور من خلالها وما أدراك ما هذا العبور.. السماسرة فئة منتشرة بالطبع فى دوائر المدن أكثر منها فى دوائر الريف.. هم أشخاص فى الغالب الأعم يقضون معظم الوقت فى الشارع وأعمالهم الأصلية خفيفة أو بلا عمل أو أعمالهم موسمية فيأخذون اشكالاً متنوعة.. صاحب مقهي.. أو صنايعى صاحب مهارات فقيرة ينفق أوقاتاً طويلة على المقاهي.. أو كوماندة عمال نال منه الزمن فيبحث عن وسائل تعيش أخري.. أو محام قليل القضايا يمتلك فراغاً واسعاً ويجيد الابتزاز والكذب معولاً على معرفته بأصناف متعددة من الناس.. أو موظف متواضع فى أدوات الاعلام قنوات تليفزيونية أو صحيفة فيكذب ويدعى انه مصور أو صحفى أو معد برامج ليمارس أعمالاً من النصب الفنى المتقن.. أو صاحب دكانة غير رائجة.. أو سايس بجراج يستثمر معرفته بأهل المنطقة.. أنواع متعددة من كل المهن يجمعهم قدرات الحديث المرسل غير المفيد أو المحدد ومهارات الابتزاز والتلويح بانطباعات لها علاقة بالبلطجة مما يعكس شعوراً بالسطوة والنفوذ والقدرة على التحرك والتصرف.. وفى إطار تلك المراوغات النفسية والأكاذيب والسخافات يتم حجب وإسقاط وانتهاك المعنى الحقيقى لعملية الانتخاب وقدرة الناس على الفرز والاختيار وإرادة الناس وإطلاقها للاحتكاك واكتساب الخبرات فى تقدير القيمة والمصداقية للمرشحين وتنقضى العملية الانتخابية كموسم للاسترزاق والنهب والنصب لا كمرحلة لتنمية الوعى والإرادة وممارسة الحقوق السياسية والاجتماعية للشعب. وأنا اتحدث هنا عن السماسرة الصغار وهم جماعة كبيرة ومنتشرة فى كل شق وشارع وحارة.. أما السماسرة الكبار فهم من يروجون لكوارث قادمة ويستجلبون ماضيًا بائسا ويلتصقون بكل صاحب قرار وسلطة ممهدين لأنفسهم أن يكونوا راكضين وجالسين على قلب الوطن والناس. أجواء الانتخابات الفردية التى كان المواطن فيها يصوت بالبطاقة الحمراء هى التى تسيطر على أذهان الناس وسماسرة الانتخابات.. وهذا مرتبط بأجواء الاحباط العام والقلق والشعور المسيطر بعودة أجواء ما قبل يناير 2011 ومرتبط أيضًا بالملل والفتور فى ظل أوضاع اقتصادية لا تتحسن وأوضاع سياسية غير واضحة وهذا كله انعكاس مرير وقاتل.. فالأجواء الملبدة بالقنوط والضجر تجعل الجماهير غير مستعدة للتجاوب والبحث والاستماع.. والاشكال القديمة لممارسات العملية الانتخابية من سماسرة ومال سياسى فاجر وبلطجة تجعل الأجواء الانتخابية مسمومة ومسودة ولا تحول المناخ الانتخابى إلى عرس ديمقراطى لتبادل وتنافس الآراء والرؤى المختلفة للمستقبل على الصعيد الوطنى أو المستوى المحلى للدائرة نفسها.. وتصنع آفاقًا مغلقة وحوائط سد لكل ومضة أمل وشعاع نور يتسلل لصناعة المستقبل. الحكومة مضطربة تجاه إخراج قانون تقسيم الدوائر ولا نعلم من هم هؤلاء الذين يقومون عليه.. واللواء أبوالقمصان يعطى الوطن خبراته الشمولية الثرية فى تقسيم الدوائر طبقًا لخبرته فى التعامل مع الأنظمة الساداتية والمباركية.. الدكتور على عبدالعال أستاذ القانون الدستورى وعضو لجنة تقسيم الدوائر يقول فى تصريح بالأهرام يوم الأربعاء 12/11 «إن اللجنة حافظت فى القانون على مكتسبات الدوائر التى تمت فى الانتخابات الأخيرة».. يا دكتور الانتخابات الأخيرة كانت بالقوائم النسبية وتقسيم الفردى يختلف عن النسبية.. يا دكتور ماذا تعنى مكتسبات الدوائر.. هل ثمة معركة حيازة أرض أو بشر بين الدوائر المختلفة.. ماذا نفعل وماذا ننتظر..!؟ ميعاد الانتخابات أصبح لغزًا.. بالطبع الوطن تحاصره حرب إرهابية وأعمال عنف متناثرة مستمرة.. وأوضاع داخلية تستهدف فتنة وإفشالاً للدولة وأيضًا مصر الدولة مطالبة بتنفيذ خارطة الطريق التى تم التوافق عليها.. والمجتمع الدولى لن يكون جادًا فى التعامل معنا فى ظل حكومة غير مراقبة من برلمان منتخب.. فى ظل هذه الأوضاع المضطربة يجد النظام من يسول له أن يجعل ميعاد الانتخاب مفاجأة حتى يفتح الطريق للوجوه القديمة المستعدة بنفس السلوكيات والممارسات البائسة من مال حرام وبلطجة وقبليات بالية أن يخطفوا المعركة فى غياب أى تراكم للعملية الانتخابية المفتوحة التى تدعم فكرة الادارة والوعى والاختيار والتمييز. تلك الصورة البائسة التى نحياها توضح بجلاء لا لبس فيه حجم الخطأ فى اختيار النظام الفردى فى الانتخاب وتجاهل القائمة النسبية التى تدعم فكرة تنمية الوعى والارادة والاختيار والتمييز وتجعل المناخ الانتخابى عرسًا للبرامج ودفعًا للشعب للممارسة الديمقراطية الواسعة وتنافسًا للأفكار والعطاء الشعبى والتواجد بين الناس واسقاط كافة الحواجز والاشكال القديمة البالية..!!