الخيانة لفظٌ مختصر للتعبير عن أحط الخطايا الإنسانية وأبشعها وأكثرها إضراراً بالنفس البشرية وحرمتها وقيم المجتمع وسلامته وأمن الوطن واستقراره. ويكفى للتدليل على ذلك أن المولى سبحانه وتعالى قد حكم بأن المنافقين فى الدرك الأسفل من النار, ثم جاءت السنة النبوية لتبين آيةً من آيات المنافق بأنه إذا أؤتمن خان. فالخيانة إذن هى عدم صون الأمانة أو إهدارها أو التفريط فيها, سواءً كانت الأمانة كلمةً أو عملاً أو شيئاً أو عهداً. وإذا كانت الخيانة في التشريع العقابى الوضعى لها مجالان, الأول يتعلق بالفرد مثل جرائم خيانة الأمانة والتبديد والاختلاس, والثانى يتعلق بالوطن وتشمل كل الجرائم التى تضر بأمن وسلامة واستقرار الوطن أو تمس سيادته أو تعيق نهضته وازدهاره, فإنه من الخطأ اختزال هذا الشق فى جريمة الخيانة العظمى بالتخابر أو إفشاء أسرار الدولة, فإن إفساد مؤسسات الدولة أو الإساءة إليها أو الإضرار بممتلكاتها أو إهدار أموالها أو تعطيل مرافقها أو التفريط فى حقوقها وما شابه ذلك, يُعد صوراً ووجوهاً أخرى لجريمة الخيانة العظمى التى يجب ألّا تأخذنا فيها رأفةٌ أو هوادة, وأن يكون العقاب فيها قاسياً رادعاً زاجراً لكل من تسول له نفسه مجرد الشروع فيها. هذه المقدمة رغم قصورها عن الشرح الوافى لمعنى الخيانة وصورها المختلفة نظراً لضيق المجال, إلا أننى أعتقد أنها لازمةُ لموضوع حديثى اليوم عن خبرٍ نمي إلى علمى فرأيته يمثل كارثةً أمنية وخيانةً وطنية , بأكثر مما يمكن أن يمثله من جريمةِ فسادٍ مالى وانحرافٍ وظيفى. فلقد ضمنى لقاءٌ فى الأسبوع الماضى مع بعض القامات الثقافية والسياسية المهتمين بالشأن العام بمنطقة المعادى, ودار حديث غاضب حول واقعةٍ تشكل إهداراً فادحاً للمال العام وإضراراً جسيماً بحقوق المصريين واعتداءً صارخاً على سيادة وكرامة الدولة. هذه الواقعة حدثت بمدرسة كلية النصر المسماة بكلية فيكتوريا بالمعادى, وهى إحدى الصروح العلمية القليلة الشامخة التى تملكها الدولة التى تحظى بمكانةٍ تاريخيةٍ خاصة, وتقع على مساحةٍ شاسعةٍ من الأرض تجاوز العشرين فداناً بما جعلها نموذجاً للمنشآت التعليمية التى تضارع أعظم المنشآت المماثلة على مستوى العالم, وهى تخضع فى إدارتها للإشراف المباشر لوزارة التربية والتعليم, وتضم مراحل التعليم الثلاث الابتدائى والاعدادى والثانوى, بعدد طلابٍ يصل إلى حوالى ثلاثة آلاف طالب وطالبة. ونأتى إلى الخبر الكارثى, فقد قامت إدارة المدرسة منذ بضع سنوات باستقطاع حوالى ثلث مساحة أرض المدرسة ذات الملاعب المتعددة والحدائق الخضراء, وتم تسويرها وفصلها عن المدرسة وإنشاء بوابة خاصة لها تفتح على الشارع الرئيسى, وتم تأجير هذه المساحة للجالية الأمريكية بالمعادى! نعم للجالية الأمريكية وصار حرمان الطلبة المصريين أبناء المدرسة من حقهم المشروع فى هذا المتنفس أمراً واقعياً, بل والأخطر من ذلك أن المكان المستقطع (أملاك الدولة) أصبح نادياً للجالية الأمريكية فقط ويُحظر على المصريين ارتياده, وكأنه قاعدة أمريكية فى قلب الوطن. لم تكتفِ إدارة المدرسة بذلك , بل قامت فى الآونة الأخيرة باستقطاع جزءٍ آخر من أرض المدرسة يجرى إعداده لتأجيره لشركةٍ خاصة لاستغلاله فى الفترة المسائية بعد انتهاء اليوم الدراسى حسبما يتردد فى دهاليز المدرسة! لقد تمنيت أن يكون ذلك الذى سمعته مجرد أضغاث أحلام, ولكن واقع الأمر للأسف الشديد يؤكد صحة الخبر ويدعونى للتساؤل, من هذا المسئول الذى هان عليه إهدار المال العام وتسهيل الاستيلاء على أملاك الدولة بهذه الكيفية وهذه السهولة؟.. وإذا كانت هذه الأرض زائدةً علي حاجة المدرسة وهو أمرٌ مستبعد, ألم يكن من الأفضل بناء مدارس أخرى عليها تلبى حاجة الوطن؟.. وهل وصل الاختراق الأمريكي والهيمنة الاستعمارية إلى هذه الدرجة؟.. وهل تقبل مصر الثورة هذا الوضع الذى يمس سيادتها وكرامتها؟ إننى أناشد وزير التربية والتعليم والمستشار النائب العام ورئيس هيئة الرقابة الإدارية ومحافظ القاهرة للإجابة عن هذه الأسئلة, ومخاطبة الرأى العام بالحقيقة. E-Mail :