بقرار عادل وسريع عادت الروح إلى بلاد وأهل وعشاق النوبة!!. قرار واحد أصدره الرئيس السيسى منذ ساعات بإعداد قانون الهيئة العليا لتنمية وتعمير النوبة الجديدة.. وينص على أن مجلس هذه الهيئة يتولى إعداد الخطة التنفيذية والزمنية لإعادة توطين المهجرين وعودتهم لقراهم بمناطق النوبة القديمة، على مسافة لاتقل عن 3 كيلو مترات من ضفاف بحيرة السد العالى.. وبذات المسميات الأصلية للقرى.. ويكون لكل نوبى مهجر حق العودة. ولقد ضحى أبناء النوبة بمواطنهم: أرضهم، ومساكنهم، ونخيلهم.. وتاريخهم من أجل الموطن أكثر من مرة، الأول عندما أقيم خزان أسوان عام 1902 ثم عندما تمت تعليته مرتين.. والمرة الأكثر قسوة عندما ضحوا بكل شىء من أجل مصر، نقصد من أجل بناء السد العالى. وليس هناك فى مصر من قدم مثل هذه التضحيات.. إذ كل من تم تهجيرهم لأسباب عديدة عادوا إلى بلادهم وقراهم إلا أهل النوبة.. وهكذا غرقت قرى وأراضى 45 قرية تحت مياه بحيرة السد وتم تهجيرهم الى كوم امبو أى ما عرف باسم النوبة الجديدة.. ولم يحصلوا إلا على قروش قليلة مقابل بيوتهم وكل ما يملكون حتى أن النخلة كان تعويضها خمسة قروش!! وقضى أبناء النوبة نصف قرن من الزمان يكافحون من أجل العودة وليس من أجل التعويضات.. أبداً والله. وعاشوا على الوعود شبه مشردين فى أنحاء مصر، على البحر الأحمر والبحر المتوسط.. ومدن مصر الداخلية. حتى أبناء النوبة فى الجزء الواقع داخل الحدود السودانية حصلوا على تعويضات مصرية، أكثر بكثير جداً من نصيب النوبى المصرى. وربما كان كارثة حرب 1967 هى المسئولة. ومشاكل تهجير أهل النوبة ينظر إليها بعض المسئولين السابقين، على الذين كانوا يقيمون بالفعل داخل قرى النوبة ونسوا أن أضعافهم كانوا يعملون فى مناطق أخرى داخل مصر.. وكان فى ذلك الغبن الكبير. وبسبب هذا الظلم الرهيب ترددت أصوات تحدثت عن مطالب بانفصال أهل النوبة.. ولكننا نظلم النوبة وأهلهم بهذا الادعاء.. ولكن كما يقال إن «الظلم يولد الكفر»، ولكننا عشنا عصر الأدب النوبى الذى برع النوبيون فى صياغته على هيئة أدب وقصص وروايات عرفت طريقها الى العالمية.. وكلها تصور حالة الحزن الدفين الذى خيم على حياتهم وهم بعيدون عن أرض الأجداد.. ومن منا يمكن أن ينسى مرابض الصبا والأحباب حتى ولو كانت تحت نخلة أو فى ظل شجرة توت أو جميز. وكانت هناك بعض الأصوات تحذر من عودة أهل النوبة الى قراهم بدعوى الحرص على نظافة مياه بحيرة السد من أى تلوث بحكم أنها هى خزان مياه مصر.. كلها ومن هنا فإن قرار العودة الى القرى التى ستحمل نفس الأسماء القديمة.. ولكن على بعد لا يقل عن «3 كيلو مترات» من ضفاف البحيرة.. محافظة على المياه من أى تلوث.. وهنا نقول إن العلم الحديث يمكننا من حماية هذا الخزان من أى تلوث.. وأمامنا العديد من القرى فى العالم كله تعيش حول بحيرات عديدة.. دون أى تلويث للمياه. ولما كان القرار يتضمن بالضرورة إنشاء العديد من القرى هناك فى النوبة القديمة.. فإننا نتمنى أن نراعى فى ذلك نظام البناء القديم فى النوبة القديمة.. وخصوصية البيت النوبى وهندسة بنائه أى بنظام القباب التى تسمح بالتهوية الكاملة.. مع مساحة من الأرض ليزرع فيها النوبى بعض احتياجاته الغذائية. وهنا لابد أن نراعى العدالة.. فلا نفرق بين نوبى كان مقيماً بالنوبة ونوبى انطلق يبحث عن لقمة العيش خارج النوبة نفسها.. فالكل سواء.. وإذا كنا قد ظلمنا كثيراً من النوبيين قديماً.. فإننا نرفض أن يستمر هذا الظلم.. فى عصر نعمل فيه على تحقيق العدالة الاجتماعية. المهم أن نسرع فى تفعيل هذا القرار ولا يطول انتظار أبناء النوبة للتنفيذ الفعلى.. مهما كانت الأسباب.. بل لا أغالى إذا قلت بضرورة أن تضم مشروعاتنا الجديدة التى نقدمها الى المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ.. مشروعاً متكاملاً لإعادة بناء النوبة القديمة وإعادة أهلها.. وبنفس الأسماء. ذلك أن تاريخ الأمم مرهون بتاريخ أبنائها.