img src="http://cdn.alwafd.org/images/news/773717666asf51wf20w.jpg" alt="د . حياة الحويك عطية تكتب : مصر تدفن "نوبوكو"" title="د . حياة الحويك عطية تكتب : مصر تدفن "نوبوكو"" width="200px" height="260px" / د . حياة الحويك عطية
قد تبدو بوابة الدخول صغيرة، لكنها في الحقيقة أكثر أهمية من تلك التي اعتبرها شاهقة . فدخول مصر السيسي إلى أوروبا من خلال اليونان وقبرص هو دخول من البحر المتوسط ومن حقول غازه وهنا مربط الفرس . هنا ما سمح لمحلل مصري أن يقول: اليوم دفنا نوبوكو . وما سمح لآخر بأن يذّكر بمشروع ساركوزي: الاتحاد لأجل المتوسط . قبل أكثر من سبع سنوات نشرت في هذه الزاوية مقالاً بعنوان: "إنه الغاز ياغبي" . واليوم أصبح الصغير والكبير يعرف أن الغاز هو عصب كل الصراعات الدولية القائمة . فالولايات المتحدة، ومنذ نهاية الحرب العالمية الثانية تعتبر أن أوروبا والشرق الأوسط هما ما يحسم صراعها على النفوذ العالمي . في لحظة قرقعة برلين بدا أن هذا الأمر قد انتهى . ولكن المارد الروسي عاد ليخرج من القمقم معززاً بكونه المارد الأول في مجال الغاز . والأصعب إنه بواسطة هذا الغاز يتحكم بأوروبا المتعطشة للطاقة . المارد الثاني من حيث الاحتياط (ويقول الخبراء إنه قفز إلى المرتبة الأولى متبادلاً المواقع مع موسكو) هو إيران، أما الثالث فهو قطر التي تمتلك أكبر حقل . تليهما الجزائر وليبيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق . إذاً، لا بد من إيجاد خط أنابيب ينقل هذه المادة الحاسمة إلى أوروبا من دون المرور بروسيا . هكذا ولد "خط نوبوكو" الذي كان يفترض أن يجعل من تركيا عقدة تلقي الغاز وتحويله إلى أوروبا . ولكي تكتمل الحلقة فقد طرح خط سمي الخط العربي، من مصر إلى الأردنفسوريا حيث يلتقي فرعاً من نوبوكو، ومع خط آخر قادم من قطر . لذا كانت تركيا أردوغان تلوح بالجزرة لسوريا، في حين تقيم تحالفها الإخواني مع قطر . كذلك تمد أذرعها في مناطق بحر قزوين وتتكفل أمريكا بإثارة أزمة جورجيا وأوكرانيا وغيرها من الأزمات الأصغر . من جهة ثانية كان حلفاء واشنطن الأوروبيون يحاولون ترتيب الأمور مع ليبيا والجزائر ومصر، فيبادر ساركوزي الصاعد فرنسياً بدعم أمريكي إلى مد اليد إلى الجزائر عارضاً تبادل الغاز مع الطاقة النووية . عرض أطلقه في مؤتمره الصحفي كمرشح وكّرسه بالقيام بأول زيارة له كرئيس إلى العاصمة الجزائرية، حاملاً معه العرض ومشروع الاتحاد لأجل المتوسط . بوتفليقة رفض المشروع إن شاركت فيه "إسرائيل"، وساركوزي رد أمام الصحفيين أن "إسرائيل" هي لب المشروع . القذافي بدوره رفضه جملة وتفصيلاً (هل كان لذلك دور في حقد ساركوزي عليه؟) وحسني مبارك وافق على شرط تولي الرئاسة الثنائية مع فرنسا . كانت اللب كله في الغاز، وكان ساركوزي الرئيس الفرنسي الأقرب - من كل أسلافه - من قطر . في حينه كانت فرنسا تمد اليد لبشار الأسد، وتركيا تفتح له الأبواب وطبق الجزر، وذلك لثلاثة أسباب: لأن التحام الغاز العربي بنوبوكو يجب أن يمر بسوريا، ولأن الحقول الكبيرة المكتشفة على الشاطىء السوري واللبناني والفلسطيني تعزز هذه الحاجة . والأهم لأن الخط البديل المنافس والذي طرح منذ أيام حافظ الأسد هو خط إيراني - عراقي - سوري - لبناني، ولا يمكن قطعه إلا من مفصلين أخذ سوريا إلى الخط الآخر ومثلها مصر، وفصل كردستان عن العراق، أو على الأقل جرها إلى عقد صفقات غاز منفردة مع تركيا . وفصل سوريا عن العراق وهذا ما تحقق من خلال "داعش" . "نوبوكو" مجرد خط تم التوقيع على إنشائه قبل سنة واحدة من احتلال العراق، وفي ذلك ما يفسر اختيار اسمه: فنوبوكو هو اسم التحقير الذي يطلقه اليهود على نبوخذ نصر، وعليه انتجوا أوبرا شهيرة بهذا العنوان تتحدث عن "سبي اليهود وتمسكهم بيهوديتهم وعودتهم إلى أورشليم" . أرادوا أن يقولوا إن الخط انتقام من العراق وضمانة لبقاء اليهود في أورشليم . ولكن ملأه بالغاز يبقى مسألة غامضة ومتحركة في الاستراتيجية الأمريكية - الصهيونية، وبذلك تفسر معظم الصراعات الدولية، خاصة في منطقتنا وعلى رأسها الصراع في سوريا . أما مصر فإن خروجها من العباءة الإخوانية يعني خروجها من التحالف الغازي التركي القطري، بعد أن كان هذا الثلاثي قد اطمأن إلى أنه حسم الصراع كله . ولذا جاءت خطواتها باتجاه الجزائر على طريق بناء تحالف جديد في أحد وجوهه مجال الطاقة، وفي الاستراتيجية ذاتها تأتي إجراءات سيناء، والتوجه نحو لبنان، والآن بالإعلان الثلاثي اليوناني - المصري - القبرصي . هكذا دخل المصري أوروبا من البوابة الجنوبية العريضة، موجهاً ضربة قاصمة للحلم العثماني والحلم الأوروبي التركي معاً . وأصبح بإمكانه أن يعيد الكلام عن اتحاد لأجل المتوسط بصيغة أخرى جديدة . وأن يعلن دفن العثمانية الجديدة ودفن "نوبوكو" كما يقول معلقوهم . ولكن ماذا عن لبنان؟ وفلسطين؟ ماذا عن سوريا؟ وعن كردستان؟ ماذا عن "داعش"؟ إنه الغاز! نقلا عن صحيفة الخليج