في إطار انفعال المشرع ببعض الصور الإجرامية نستكمل الحديث، عندما بلغ انفعال المشرع منتهاه عندما انفعل بحادث خطف جماعي لأنثي تمت مواقعتها بغير رضاها من الخاطفين فأصدر المادة 290 من قانون العقوبات والتي كانت تعاقب كل من خطف بالتحايل أو الإكراه أنثي أو بواسطة غيره بالأشغال الشاقة المؤبدة «السجن المؤبد حاليا» فأضاف فقرة جديدة الي تلك المادة وأوجبت الحكم علي فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا اقترنت بها جناية مواقعة المخطوفة بغير رضاها ونسي المشرع وهو في قمة الانفعال أن الفقرة الثانية من المادة 290 كانت تعفي الخاطف من العقاب إذا تزوج بمن خطفها زواجا شرعيا وكان من ثمرة هذا الانفعال التشريعي لمواجهة حالة أو حالات مستفزة للشارع المصري أن أفرز التطبيق العملي نتائج مجافية للعدالة وكان من شأنها أن هدمت كل ما رمي اليه الشارع من تشديد إذ أفرز الواقع العملي أن يقوم الخاطف أو آخر من الخاطفين بالزواج من الضحية زواجا صوريا وبالتهديد حتي يقدمه المحكمة ويفلت الفاعل من العقاب ثم يطلق الضحية في اليوم التالي. وأدرك المشرع بعد فوات الأوان الحقيقة المؤلمة لهذا النص الذي أتي في ظروف انفعالية وقام بتعديله بالقانون 95 لسنة 2003، بعد أن أفلت العديد من المجرمين من العقاب وبعد أن عانت كثيرات من الضحايا وأسرهن من نص جاء في غفلة انفعالية دون أن يتبصر لما قد يفرزه الواقع العملي والفقرة 2 من المادة 290 والتي تم إلغاؤها سنة 2003، ومما يحتاج كذلك الي مراجعة سريعة اقتضتها الاعتبارات العملية هذا النص سيئ السمعة المعروف بالمادة 107 مكرر من قانون العقوبات والذي يعفي الراشي أو الوسيط من العقوبة إذا أخبر السلطات بالجريمة أو اعترف بها. وبداية أؤكد أن النقض لا يوجه الي النص ذاته وإنما يوجه الي ما أفرزه الواقع من تطبيق عملي لهذا النص جعل منه وصمة في جبين العدالة ينبغي أن تنفضها عن ثوبها الطاهر. فهذا النص له مثيل في كثير من المدونات العقابية ويجد فلسفته في رغبة المشرع في الكشف عن جريمة الرشوة وهي جريمة مستترة يدق ويصعب في كثير من الأحيان إثباتها علي الموظف العام المرتشي، فأوجد المشرع فكرة الإعفاء من العقوبة كحافز للراشي أو الوسيط في الكشف عن تلك الجريمة وأسرارها تطهيرا للوظيفة العامة من الموظفين الذين يتاجرون بها. إلا أنه لا يمكن أن يتصور أن قصد المشرع قد اتجه الي أن يتحول هذا النص الي ميزة يستفيد منها أولئك الذين يفسدون ذمة الموظف العام ويتسللون اليه من كافة الجوانب لإرشائه حتي إذا ما تكشفت الواقعة فزعوا ليعتصموا بهذا النص للإفلات من العقوبة. كما لم يدر في بال المشرع أن هذا النص سوف يتحول في الواقع العملي الي نوع من الإكراه المعنوي وعدا ووعيدا بما يدفع الكثير الي التقول كذبا علي الشرفاء من الموظفين ليظفروا بالإعفاء من العقاب. وإزاء هذا الوضع المقلوب، الذي يكشف عن تناقض لا يطيقه ضمير العدالة في أن تجد اثنين من المتهمين بتقديم الرشوة الي موظف عام أحدهما اعترف ليستفيد من الإعفاء - وقد يكون كاذبا - والآخر أنكر - وقد يكون صادقا - ومع ذلك يكون الحكم صادما للواقع والعدالة في أن يعفي الأول من العقاب وهو معترف بالجريمة، ويدان الثاني وهو منكر لها خاصة إذا لم يكن في الواقعة من دليل سوي هذا الاعتراف من الراغب في الاستفادة من مانع العقاب. ولذلك تعالت الأصوات - وبحق - الي وجود تعديل هذا النص بأن يكون الإعفاء جوازيا للمحكمة وليس وجوبيا عليها، أو أن يكون الإعفاء مقصورا علي حالة الإخبار بالجريمة قبل وقوعها دون حالة الاعتراف بها بعد وقوعها واكتشاف السلطات لها، لا أن البعض يري أن هذا النص بوضعه الحالي مشوب بشبهة عدم الدستورية، وقد وصل الأمر الي طعن بهذا المعني أمام المحكمة الدستورية العليا التي لم تقل كلمتها فيه حتي الآن. وأيا ما كان أمر هذا النص من زاوية الدستورية أو عدمها، فإن ما أفرزه في الواقع العملي خاصة في السنوات العشر الأخيرة يقتضي التدخل السريع والحاسم بالمراجعة والتعديل المطلوب. فمن العجيب أنه حيث يكون الأمر ملحا يتثاقل المشرع أو يتأخر، بينما وفي كثير من الأحيان حيث يكون التعديل غير ضروري تتسارع خطي التشريع ليكشف تطبيقه عن مضار أكثر بما يدعو الي القول إن عدمه كان أجدي. من قبيل الطرفة حين أقول: إن قانون العقوبات المصري به نص صادر بدكريتو عثماني في القرن قبل الماضي، ورغم أن الدولة العثمانية ذاتها قدزالت من الوجود، وأن القرن قد لحقه قرنان بعده إلا أن النص في المادة 321 مكرر من قانون العقوبات مازال صامدا يتحدي الزمن وكأنه من الآثار الخالدة التي تبقي لمئات وآلاف السنين. وللحديث بقية. سكرتير عام حزب الوفد