لا يعني ظهور أفلام جادة مثل «الجزيرة 2» و«الفيل الأزرق» أن السينما المصرية استردت عافيتها بالكامل وأصبحت قادرة علي المنافسة.. فالواقع يؤكد أن هناك تحديات كبيرة أمام صناع السينما. ويعد احتكار دور العرض أهم تحدٍ أمام القائمين علي صناعة السينما في مصر.. ففي أوقات كثيرة يتم الحكم علي أفلام جادة بالإعدام وربما الحبس في الأدراج لأن منتجها لا يجد دار عرض.. بينما تملأ السوق أفلام تجارية هابطة علي مستوي الفكرة والحوار والأداء.. لأن صاحبها هو المنتج والموزع في نفس الوقت. ولعل الخلاف الذي اشتعل مؤخرا بين المنتج محمد السبكي والمنتج محمد حسن رمزي أكبر دليل علي أن الاحتكار مسمار أخير في نعش السينما المصرية.. فقد تم رفع فيلم «المواطن برص» من دور العرض من أجل «الجزيرة 2» لأن محمد حسن رمزي منتج وموزع الفيلم في نفس الوقت.. لا نريد الإشارة إلي مستوي العملين ولكن نريد التركيز فقط علي آليات العمل التي ربما تتسبب في إجهاض تجارب مهمة وإحباط تجارب إبداعية واعية.. للوقوف علي أصل المشكلة قمنا برصد آراء عدد من المبدعين والنقاد حول الاحتكار وتداعيات الظاهرة حول الصناعة. في البداية تحدث المخرج محمد فاضل قائلا: بدون شك الاحتكار مرفوض حتي في الدول الرأسمالية.. الاحتكار شيء مخيف في أي صناعة ويكون تأثيره في السينما خطيرا لأنها تعتمد علي الفن والاقتصاد.. في الفترة الأخيرة فرضت أفلام رديئة نفسها وأصبحنا مجبرين علي مشاهدة أعمال هابطة لأن المنتج يمتلك دور عرض فقط ويري أنه يجب عرض أفلامه فقط، لذا لا تندهش إذا وجدت أفلاما جادة ومحترمة في العرض بينما هناك أفلام متواضعة المستوي تحتل دور العرض. ويواصل المخرج محمد فاضل حديثه قائلا: أمر طبيعي أن تعاني السينما من الاحتكار لأن الدولة تخلت عن الصناعة، فقد ساءت السينما لأن الدولة لا تنتج أعمالا مهمة تنافس بها استغلال المنتج الفرد الذي يبرر تواضع أعماله وتدني مستواها بعبارة «الجمهور عاوز كده»، فمن يتأمل حال الدراما التليفزيوينة يضرب كفا بكف لأن المستوي تراجع وأصبحنا نشاهد أعمالا درامية فجة في لغة الحوار لأن الهدف هو الربح فقط والاستحواذ علي أكبر مساحة من الإعلانات.. فقد نجحت الإعلانات في رفع مؤشر الإنتاج للأعمال التجارية بينما اختفت الأعمال الملحمية والروائية الجادة.. يجب أن يعود التليفريون إلي الإنتاج الدرامي لأنه يحدث توازنا أمام الشركات التي تهدف فقط إلي الربح الفاحش علي حساب القيمة والهدف.. ويجب أيضا أن تحارب الدولة الاحتكار لأنه سوف يقضي علي أصحاب التجارب المستقلة الباحثين دائما عن فرصة للعرض. ويقول الناقد طارق الشناوي: الاحتكار هو أن تمتلك الشركة المنتجة للفيلم دور عرض، وتحاول فرض فيلمها بالقوة لأنها تمتلك ببساطة شديدة دار العرض.. وفي الثلاثينات من القرن الماضي أدرك صناع السينما في أمريكا معقل الرأسمالية خطر الاحتكار لذا أدركت الحكومات الخطر واتخذت الإجراءات اللازمة لحماية الصناعة وحفظ حقوق المبدعين في العرض. وأضاف طارق الشناوي أن الاحتكار في مصر يضر بالصناعة وأن الخلاف الذي نشب مؤخرا بين السبكي والمنتج محمد حسن رمزي رئيس صناعة السينما، فالأخير منتج فيلم «الجزيرة 2» وفي الوقت نفسه يتملك دور عرض ويري أنه من الأولي أن يعرض فيلمه، فلا توجد ضوابط تنظم مسألة العرض ولذا يدفع أصحاب التجارب المستقلة الثمن وفي أحيان كثيرة لا تري أعمالهم النور بسبب سوء التوزيع وألغاز الاحتكار. ويعلق السيناريست الكبير وحيد حامد علي الموضوع قائلا: لا توجد عدالة في التوزيع وبعض شركات الإنتاج تستخدم طرقا ووسائلا غير نزيهة أو غير شريفة من أجل عرض أعمالها.. لذا يجب علي الدولة اتخاذ قرارات حاسمة لضبط قواعد الصناعة.. وأكد وحيد حامد أن الحل في منع شركات التوزيع من الإنتاج، فليس عدلا أن تمارس الإنتاج والتوزيع في نفس الوقت، يجب تقسيم الأدوار ومنع الشركات التي تمتلك دور العرض من الإنتاج لأن سياسة الاحتكار خطر يهدد صناعة السينما ويؤكد أنه لا توجد عدالة في التوزيع. ويقول الفنان حسين فهمي: إن الاحتكار ليس قضية جديدة فكثير من التجارب الفنية المهمة ماتت قبل أن يراها الناس لأن أصحاب دور العرض لديهم أعمال خاصة بهم.. حتي يتم القضاء علي ظاهرة الاحتكار يجب تدخل الدولة ويجب أيضا أن تعود الدولة للإنتاج وأن يكون لديها دور عرض خاصة بها.. السينما تراجعت للخلف عندما أدارت الدولة ظهرها للصناعة.. ولكن يجب أن نتفاءل لأننا أمام واقع جديد.. وأري أن المبدعين مطالبون بالدفاع عن الصناعة من خلال التمسك بالأشياء الإيجابية، ورفض كل السياسات الخاطئة مثل الاحتكار. ويري المخرج الكبير علي عبدالخالق أن الدول الرأسمالية أدركت خطورة الاحتكار تصدت له.. وفي مصر اختفي تماما المنتج الفرد وانحصر الإنتاج والتوزيع في شركتين ولذا كان أمرا طبيعيا أن تمارس شركات الإنتاج الاحتكار وأن يدفع الثمن ناس آخرون.. ولا أبالغ إذا قلت إن نجلي هشام كان واحدا من الناس الذين تعرضوا لضرر بالغ بسبب الاحتكار فقد قدم فيلما يحمل عنوان «إلا خمسة» ولم يجد فرصة لعرضه وتم عرضه في مهرجان الإسكندرية.. في الماضي كانت هناك أفلام كبيرة تتنافس علي العرض في المهرجان ولذا فكرنا في عمل بانوراما الفيلم المصري لضمان عرض أكبر عدد من الأفلام ولكن الآن يبحث مهرجان القاهرة عن فيلم مصري للعرض ولا يجد.. وهذا دليل علي أن السينما المصرية تعاني من أزمة حقيقية وتحتاج إلي حلول جذرية.. ويجب أن تقوم وزارة الثقافة بدورها علي أكمل وجه للقضاء علي الاحتكار.