أحيا مئات الآلاف من الشيعة الثلاثاء ذكرى عاشوراء في بغداد ومدينة كربلاء جنوبالعراق، وضاحية بيروتالجنوبية، وسط تدابير أمنية مشددة خشية هجمات قد يشنها جهاديو تنظيم "الدولة الاسلامية". ولم تشهد كربلاء (110 كلم جنوببغداد) حيث مرقد الإمام الحسين، والتي استقبلت مئات الآلاف من الزوار، أي حادث أمني يذكر حتى وقت متأخر من بعد الظهر، وذلك غداة مقتل 16 شخصا على الأقل في هجمات تبناها تنظيم "الدولة الإسلامية" في شمال بغداد. وغالبا ما تعرض الشيعة لهجمات دامية خلال محرم وذكرى عاشوراء. وقتل العشرات من الزوار العام الماضي بسلسلة تفجيرات غالبيتها انتحارية، استهدفت المواكب العاشورائية وخيم العزاء. ورفع مشاركون هذا العام شعار "التحدي" في مواجهة الخطر المتزايد الذي يمثله تنظيم "الدولة الاسلامية". وقال سعد جبار (54 عاما) لوكالة فرانس برس: "إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين هذا العام له خصوصية ووقع خاص، كونها تمثل تحديا لداعش (الاسم الذي يعرف به التنظيم) لأنهم أعلنوا عداءهم وتهديداتهم بقتل المسلمين وتفجير المدن والمراقد المقدسة خصوصا الشيعية". وأضاف هذا الرجل الذي يرتدي عباءة تقليدية سوداء وقدم من محافظة ذي قار (جنوب) "نقول لهم نتحداكم، فذكرى هذا العام هي ذكرى التحدي". وقال حاتم الجبوري (30 عاما) القادم من ديالى (شمال شرق بغداد) :"لن نتوقف عن إحياء ذكرى الإمام الحسين مهما كانت الظروف التي نمر بها". وسارت المواكب الحسينية في شوارع كربلاء، وارتدى مئات من الرجال أثوابا بيضاء خضبت بالدماء النازفة من الرؤوس نتيجة التطبير. ومرت مواكب أخرى تضم نساء متشحات بالسواد وأطفالا يلطمون رؤوسهم وصدورهم، وسط الرايات العاشورائية، مرددين "لبيك يا حسين". كما احتشد الآلاف بلباسهم الأسود يستمعون من خلال مكبرات الصوت إلى سيرة واقعة الطف حيث قتل جيش الخليفة الأموي يزيد بن معاوية الإمام الحسين، ثالث الأئمة لدى الشيعة الاثني عشرية، مع عدد من أفراد عائلته في العام 680 ميلادية. وبعد صلاة الظهر، انطلقت "ركضة طويريج" بمشاركة الآلاف من المؤمنين المتشحين بالسواد، والتي تهرول فيها الحشود نحو مرقد الإمام الحسين، ومنه إلى مرقد أخيه العباس. ونشرت السلطات العراقية أكثر من 25 ألف جندي وشرطي، إضافة إلى 1500 من أفراد "الحشد الشعبي"، وهي مجموعات شيعية تقاتل الى جانب القوات الحكومية، في كربلاء وعلى الطرق المؤدية اليها. وأتت ذكرى عاشوراء هذا العام وسط تخوف من قيام تنظيم "الدولة الاسلامية" باستهداف الزوار الشيعة، لا سيما أنه توعد إثر هجومه في العراق في حزيران/يونيو، بمواصلة "الزحف" نحو بغداد وكربلاء. وشهدت مناطق في العاصمة العراقية مسيرات عاشورائية، بينها مدينة الصدر (شمال شرق) ذات الغالبية الشيعية، حيث أغلقت الطرق الرئيسية ورفعت الرايات الحسينية السوداء فوق غالبية المنازل وفي الشوارع. وأتى ذلك غداة مقتل 16 شخصا وإصابة 19 بجروح في هجمات استهدفت الشيعة في حي تونس ومنطقة الكاظمية في شمال بغداد. وأشارت مصادر أمنية وطبية عراقية الى وقوع تفجير انتحاري وسقوط قذائف في حي تونس، بينما سقطت قذائف اخرى في الكاظمية. وتبنى تنظيم "الدولة الاسلامية" الهجمات في بيان تداولته منتديات الكترونية جهادية، مقدما رواية مغايرة بعض الشيء للمصادر العراقية. وأشار البيان: "وفق الله تعالى جنوده في ولاية بغداد ليفسدوا +الخطة الشاملة+ التي زعمت الحكومة الصفوية أنها أطلقتها في أعظم مواسمها الشركية"، متحدثا عن قيام "ابو خطاب العراقي" بتفجير نفسه في حي تونس، وقيام عناصر آخرين بإطلاق "خمسة صواريخ" على الكاظمية. وسبق للتنظيم ان تبنى تفجيرين بسيارتين مفخختين الأحد في بغداد، ما أدى إلى مقتل 18 شخصا على الأقل. في بيروت، ردد الآلاف من المؤيدين لحزب الله الشيعي، شعار "لبيك يا حسين" و"هيهات منا الذلة" في الضاحية الجنوبيةلبيروت، التي أغلقت مداخلها وفرضت عليها إجراءات أمنية مشددة. وسبق للضاحية التي تعد معقلا للحزب، أن استهدفت بتفجيرات تبنت معظمها مجموعات متطرفة تقاتل في سوريا، بينها "الدولة الاسلامية"، قائلة إنها رد على قتال الحزب إلى جانب نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا. وتوعد الأمين العام للحزب حسن نصرالله في خطاب ألقاه عبر شاشة عملاقة الثلاثاء، بهزيمة "التكفيريين"، قائلا "التكفيريون لا مستقبل لهم، لا حياة لمشروعهم... ستلحق الهزيمة بهؤلاء التكفيريين في كل المناطق والبلدان، وسيكون لنا شرف اننا كنا جزءا من إلحاق الهزيمة بكل هؤلاء". أضاف: "المطلوب أن نصل إلى النصر النهائي، لكن ما جرى حتى الآن انتصار عظيم"، مؤكدا المضي في المعركة "حتى لا تسقط المنطقة بيد الذباحين وقاطعي الرؤوس وشاقي الصدور الذين يسبون النساء". في شمال سوريا، تتواصل المعارك منذ أكثر من شهر بين تنظيم "الدولة الإسلامية" والمقاتلين الأكراد في مدينة عين العرب (كوباني بالكردية). وقال عميد في قوات البشمركة التي عبرت إلى سوريا الجمعة عبر الأراضي التركية، أن قواته قامت "لغاية الآن بقصف جيد ومكثف على مواقع داعش في كوباني، وتم الاستفادة منها من قبل مقاتلي وحدات الشعب" المدافعة عن المدينة. وتتعرض عين العرب منذ 16 سبتمبر الى هجوم من "الدولة الإسلامية" في محاولة للسيطرة عليها، ويعيق تقدمه المقاتلون الأكراد السوريون، مدعومين بمقاتلين سوريين معارضين والبشمركة وضربات جوية من التحالف الدولي. واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش عناصر التنظيم بتعذيب وضرب عشرات الفتيان الذين خطفهم من عين العرب في مايو. وكان هؤلاء الفتية الذين تراوح أعمارهم بين 14 و16 عاما، ضمن مجموعة من 153 فتى خطفهم التنظيم، وأفرج عنهم تباعا.