ضربة موجعة وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلي منظمات المجتمع المدني التي تتلقي تمويلاً أجنبيا لاستخدامه في أغراض مشبوهة من شأنها المساس بأمن مصر، حيث أدخل تعديلاً علي نص المالية 78 من قانون العقوبات، لسد الثغرات التي تستغلها تلك المنظمات للحصول علي الدولارات لتنفيذ أجندة الجهات الممولة. وتنص المادة على معاقبة كل من طلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ ولو بالواسطة من دولة أجنبية أموالاً سائلة بأى طريقة بقصد ارتكاب عمل ضار بمصلحة قومية أو المساس باستقلال البلاد بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد و بغرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه إذا كان الجانى ذا صفة نيابية عامة أو موظفاً عاماً ويعاقب بنفس العقوبة كل من أعطى أو عرض أو وعد بشيء مما ذكر بقصد ارتكاب عمل ضار من الأعمال المبينة. كافة القوى السياسية، رحبت بالتعديلات لكنها فى نفس الوقت أثارت الذعر فى نفوس أغلب المنظمات والجمعيات الأهلية، التى تتلقى تمويلا أجنبياً، وتخشى من فتح الدفاتر المغلقة، وكشف المستور أمام الرأى العام، فعدد لا بأس به تلك المنظمات غير الحكومية كشفت الأحداث فى الفترة الأخيرة عن انحرافها عن المهام المنوط بها كقنوات مهمة في تقديم الخدمات الاجتماعية وتنفيذ برامج التنمية ومتممة للعمل الحكومى، وهو ما يعيد إلى الأذهان قضية التمويل الأجنبى الكبرى التى حدثت إبان حكومة الدكتور كمال الجنزورى، والذى اتهم فيها القضاء المصري 43 ناشط مجتمع مدني من مصر والولايات المتحدة وألمانيا والنرويج ولبنان وفلسطين بإنشاء جمعيات أهلية دون ترخيص وبالحصول على تمويل أجنبي دون ترخيص. وتسببت تلك القضية فى حدوث أزمة دبلوماسية بين القاهرة وواشنطن وصلت إلى حد التهديد بقطع المعونات الأمريكية، وأصابت الرأى العام المصرى بصدمة إثر السماح للمتهمين الأجانب بالسفر إلى بلادهم وطى الصفحة إلى الأبد، ولم يعلم الشعب إلى الآن ماذا حدث فى القضية؟ والباحث فى تاريخ نمو وتطور عمل المنظمات الأهلية والمجتمع المدنى يجد أنها شهدت حركة انتعاش كبيرة منذ منتصف السبعينيات، ليبلغ عددها الآن وفقا لآخر الإحصائيات 17 ألف جمعية، تضم نحو 3 ملايين عضو تعمل في مختلف المجالات الاجتماعية. حول هذا القانون ومدى تأثيره، على عمل المنظمات الأهلية.. عبر المستشار عادل عبدالباقى، نائب رئيس حكومة الوفد، ووزير الثقافة وحقوق الإنسان، بحكومة الوفد الموازية عن ترحيبه بهذا القرار الذى سيعيد الأمور إلى نصابها على حد قوله. وأكد عبدالباقى، أن المحكمة وحدها مخول لها سلطة تنفيذ القانون، والقاضى وحده هو من يحكم وينفذ القانون وفقا لما توفر لديه من أدلة وبراهين تدين أو تبرئ المتهم من التهم المنسوبة إليه. وقلل عبدالباقى من شأن المخاوف التى تثار جراء تغليظ العقوبات إلى مؤبد، مؤكداً ان هذا القانون هو لسد الثغرات الموجودة فى الدستور، وكانت تعتبر تلك المادة باباً خلفياً للحصول على أموال مشبوهة. وأشار إلى أهمية الدور المنوط بمنظمات المجتمع المدنى القيام به والمتمثل فى تفعيل مشاركة عدد أكبر من المواطنين في تقرير مصائرهم والتفاعل مع السياسات التي يمكن أن تؤثر إيجاباً على حياتهم، وخلق دور مؤثر وفعال في المجتمع يهدف إلى التنمية مع وجود علاقة متوازنة بينها وبين الحكومة أساسها الاحترام المتبادل.. مطالباً بإنشاء مجلس وطني لتمويل منظمات المجتمع المدني ليكون بديلاً عن التمويل الأجنبي لتلك المنظمات، حتى لا يسمح للدول المانحة لتلك المعونات بأن يكون لها تأثير مباشر على صناعة القرار. ورفض نائب رئيس حكومة الوفد التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني لأنه يهدد سيادة الدولة ويجعل القوي الخارجية لها يد في صياغة القرار، موضحا خطورة «المال السياسي» الذي يأتي من الخارج في العملية الانتخابية، لأنه من الممكن أن تستحوذ جهة معينة علي الحكم ويكون ولاؤها للجهة الممولة. واستطرد قائلاً: «لا توجد جهة تعطى بدون مقابل أو شروط، ولابد من إرساء الشفافية فى التعامل بالنسبة لمؤسسات المجتمع المدنى، مشدداً على ضرورة الكشف عن المال الذي كان يتدفق قبل الثورة لتك المؤسسات. واتفق مع عبدالباقي فى الرأى وفيق الغيطانى، منسق عام حزب الوفد مؤكداً أن العمل السياسي النظيف الذي يخلق أجيالا وطنية لها انتماء للوطن فقط يتطلب الضرب بيد من حديد علي جميع الجمعيات الممولة من الخارج سواء المرخصة أو غير المرخصة لأنها تنسف المجتمع وتجمع الشباب خلف الدولار وتنسف العمل السياسي المحترم بشراء ذمم الشباب العاطل والجائع وغير العاطل أيضا بحجة حقوق الإنسان ومراقبة الديمقراطية. إلغاء التراخيص وطالب منسق عام حزب الوفد الرئيس «السيسى» باتخاذ القرار فوراً بإلغاء هذه التراخيص والقبض علي المسئولين عنها وتجريم التمويل العلني والسري من الخارج وتطبيق قانون «من أين لك هذا»، معبراً عن دهشته من حالة الثراء الفج الذى منى به العاملون فى تلك المنظمات غير الحكومية رغم أن ظروفهم كانت صعبة ولم يكن لديهم أى أموال أو ودائع تخصهم. وحذر الغيطانى من اختراق الجمعيات المشبوهة للأحزاب السياسية قائلاً: «لقد نجحت تلك الجمعيات فى اختراق الأحزاب والعمل السياسي ككل في مصر ليكون بالنسبة لها الظهير السياسي الذي يشجعها علي طلب المزيد من الدولارات من الدول المانحة التي تطالب بالتجسس وتجند الشباب لتنفيذ مخططاتها الاستعمارية. واستطرد: نحن مع جمعيات المجتمع المدني وحقوق الإنسان الوطنية ولكننا ضد الجمعيات الممولة من الخارج لأغراض استعمارية لأنهم جواسيس علي مصر بأيدي الخونة الذين يأخذون الملايين ويلقون بالفتات للشباب، ويفسدون الشباب والانتماء والعمل السياسي المحترم ويربون أجيالا تبيع الوطن، تقسمه نظير حفنة دولارات. وتابع: «لابد من قيام قادة الأحزاب بطرد أي شخص لمجرد أنه يتعامل من قريب أو بعيد مع هذه الجمعيات المشبوهة التي تحاول بالتفرقة هدم الأحزاب والمؤسسات من الداخل، فضلا عن ضرورة غلق وإلغاء الحزب الذي يضم أعضاء من هذه الجمعيات، وتطبيق العقوبات المغلظة التى أدخلها الرئيس على المادة 78 بدون أى تهاون أو تفريط، معتبراً إياها خطوات على درب الإصلاح السياسى والذى من شأنه إنتاج مجتمع متوازن ويعيد كافة الأمور إلى نصابها الطبيعى. ودعا الغيطانى إلى تحقيق توازن بين حرية الأحزاب فى تحركاتها وبين تطبيق القانون على المخالفين الذين يستغلون الثغرات الموجودة فى الدستور لتحقيق مأرب خاصة بهم وفى ذات الوقت لابد من تطبيق العزل السياسي علي الفلول والأحزاب الدينية جميعاً، مؤكدا أن مصادرة وغلق الجمعيات الممولة من الخارج حماية للوطن والشباب وتدعيم للعمل السياسي النظيف الذي يدعم الحرية والديمقراطية التي بها يرقي المجتمع اقتصادياً واجتماعياً. تعديلات منتظرة وفى السياق نفسه، قال محمد أبوالعلا، رئيس الحزب الناصرى، إن هذه التعديلات كانت منتظرة منذ مدة طويلة للحد من الممارسات المشبوهة لبعض المنظمات التى استشرت عقب ثورة 25 يناير، موضحا أن أى تمويل يكون وراءه علامات استفهام كبيرة، لأن كل ممول له مصلحة من تلك الأموال، واصفا القرار بالمهم، وجاء فى وقته ولابد ان يمتد بحيث يكون الحظر شاملاً ضد أى فرد او منظمة أو مؤسسة تتلقى تمويلاً من الخارج. وحذر أبوالعلا من خطورة التمويل السياسى معتبرا إياه أخطر من التمويل الخارجي لمنظمات المجتمع المدني، لأنه إذا سيطر حزب أو جهة معينة علي الانتخابات وكانت ممولة من جهة خارجية وسيطرت علي مقاليد الحكم فسوف تعمل لصالح الدولة الممولة لها. وتساءل أبوالعلا عن مصادر تمويل بعض الأحزاب السياسية التى نشأت عقب الثورة، وأنشأت عشرات المقرات. وأضاف: «يوجد أحزاب سياسية جديدة أصبح لديها مئات المقرات فجأة بجميع المحافظات»، متسائلاً عن مصادر تمويلها». أما شهاب وجيه، المتحدث باسم حزب المصريين الأحرار فعَّول على تطبيق القانون بشكل حاسم وعادل قائلاً: «الفيصل فى أى قانون مدى قابليته للتطبيق وقدر الجدية والقدرة على تنفيذه، بشكل يحمى حقوق جميع الأطراف، ولا ينتقص من مساحة الحرية التى تسمح لتلك المنظمات بالعمل. وأكد وجيه أن القانون سيتضح أبعاده ومداه من خلال معرفة القانون الجديد للجمعيات الأهلية المنتظر طرحه مع انعقاد البرلمان القادم. وتابع: «الرئيس يسعى لبسط سيطرته على التمويل الخارجي لما تسبب في أزمات سابقة، فهناك عدد من النشطاء السياسيين حصلوا على تمويل خارجي لتحقيق مكاسب شخصية أو تدمير منشآت للدولة، مشيرًا إلى أن الحصول على تمويل خارجي دون الحصول على التصريحات اللازمة للدولة يثير الشكوك حول استخدام هذه الأموال في أعمال عنف وإثارة الفوضى. وشدد وجيه على ضرورة وجود سبيل وطرق قانونية من شأنها تقنين الدعم لتلك المنظمات، وتوفير بدائل للتمويل من الخارج. وعن حجم المنظمات التى يعتقد اعتمادها على التمويل الأجنبى، رفض المتحدث باسم حزب المصريين الأحرار التعليق، على الأمر، تاركا الأمر للسلطات المخولة فى تحقيق مدى تغلغل المال الأجنبى فى مصر. الشباب نالهم قدر كبير من الاتهامات بشأن تلقى تمويل من الخارج، خصوصا عقب ثورة 25 يناير، لذا فإن طارق الخولى، مؤسس حركة الجمهورية الثالثة، المنسق فى حركه 6 إبريل الجبهة الديمقراطية لديه تفسير لتلك الاتهامات ومدى صحتها.. يعترف طارق بدخول أموال ضخمة لمصر من قبل جهات أجنبية غير معلومة، وأن هذه الجهات استغلت حماسة بعض الشباب الثائر واستغلتهم لتنفيذ أجنداتها، من أجل تكرار السيناريو الذى حدث فى الدول المجاورة لنا والتي تشهد انقسامات وحروباً أهلية طاحنة. ورفض «الخولى» الاتهامات التى تنال من كافة الشباب المنخرطين فى العمل العام، مؤكدا ان هناك قطاعاً عريضاً منهم يعملون جديا من أجل الصالح العام، ولا يسعون لتحقيق مصالح خاصة بهم، معبرا عن ترحيبه بصدور مثل هذا القانون الذى من شأنه وضع كثير من المنظمات والأفراد تحت طائلة القانون والمحاسبة، وشدد على ضرورة تغليظ الأحكام، وتنفيذها ليتم ردع هؤلاء القلة بشرط أن يكون هناك أدلة دامغة على تورطهم فى تلك الجرائم، محذرًا من مغبة التعميم، وإلصاق تهم الخيانة والعمالة لكل الشباب الذين شاركوا فى الثورة. وأكد الخولى أن الشعب على قدر عال من الوعى، وقادر على التمييز بين من يعمل لصالحه ومن يستغل الثورة لتحقيق مصالح خاصة به، ولن يسمح لأحد بأن يتاجر بمطالبه، مشيرًا إلى أن عهد مبارك كان الأسوأ من نوعه، حيث فتح الباب بشكل مثير للشك أمام منظمات أجنبية، والتي لعبت دوراً مهماً فى تقويض نظامه، تمهيداً لتحقيق سيناريو الدول المجاورة لنا.