من عدة أشهر، إذا أردنا الحديث عن الخيارات المثلى بالنسبة لإيران في سوريا، فكان سيتصدرها منع سقوط الأسد. لأنه إذا حدث وسقط، فالخيار المفضل هو الفوضى وغياب الاستقرار. لذلك اعتمدت إيران في سوريا سياسة عملية تقترب كثيرا من طريقة عملها في العراق، خاصة على صعيد السياسة الناعمة. ولكن الآن الأمر أكثر صعوبة على الفهم التكتيكى وخاصة مع ظهور «داعش».. ولأن «سوريا هي مقاطعة استراتيجية لإيران»، كما قال مهدي طائب، رجل الدين المسئول عن وحدة الحرب الافتراضية في الحرس الثوري الإيراني في فبراير عام 2014. فلا شك في أن سيطرة «داعش» على مساحاتٍ واسعة في العراق وما ترتّب عليها من آثارٍ سدد ضربة للطموحات الإيرانية في عموم المنطقة؛ فمن جهة أطاح التنظيم بحكومة نوري المالكي، وألحق هزيمةً بالجيش العراقي المبنى على أسسٍ طائفية، وأظهر عجز القوى الأمنية والميليشيات الطائفية المحسوبة على إيران، وبين ترهلها وتوجيه ضربة قوية للمشروع الإيراني القائم على إنشاء قوس نفوذ ممتد من طهران إلى بيروت عبر بغداد ودمشق. ولدى إيران بالطبع مخاوف من فقدان القدرة على الوصول إلى الشام بعد سقوط الأسد، وتخاف من التهديدات التي تطرحها الجهات الطائفية في جميع أنحاء المنطقة على مصالحها، ومصالح حلفائها مثل حزب الله والسياسيين الشيعة العراقيين. فعندما اختطفت مجموعة جيش آل العدل السنية خمسة من حراس الحدود الإيرانية على حدود باكستان، وقتلت واحدًا منهم، قامت المجموعة بتبرير عملها على أساس أنّ إيران تدعم نظام الأسد وقتله للسنة. وبينما تنظر الدول المتنافسة في المنطقة، وخاصة السعودية وقطر، إلى دعم إيرانلسوريا من وجهة نظر طائفية؛ إلّا أن إيران لديها مخاوف استراتيجية أوسع نطاقا فهى ترى أن سوريا كحليف مهم من الناحية الجغرافية والسياسية. ومن الخطأ الافتراض أن إيران تساعد نظام الأسد بسبب أنه نظام علوي، فالعلويون هم، وبشكل جيد، خارج التيار الرئيسى للشيعة الإيرانيين. فالتحالف بين إيرانوسوريا، ليس عن الأخوة بين الشيعة والعلويين، ولكن علاقة تقوم على المصالح المتداخلة، وهي قدرة البلدين في الحفاظ على ما يسميانه ب«محور المقاومة». ومع ظهور أعداء جدد لإيران، مثل «داعش». فطهران، ليس أمامها إلا أن تواصل دعم الأسد، ولكن هدفها الرئيسي هو منع ظهور دولة معادية. «إذا كان عليهم بيع الأسد، وإذا كان هناك في أيّ وقت من الأوقات حكومة وحدة وطنية انتقالية في سوريا، سوف يكون عليهم أن يتأكدوا أولًا من أن الحكومة الجديدة لن تكون معادية لإيران، حتى لو لم تكن حليفًا لها».. لذلك لا تتعجب من حالة التقارب بين أمريكاوإيران فى الشأن السورى، لأنه من الطبيعي أن تعرض إيران التعاون مع واشنطن في الحرب على «داعش»، وهو ما كرره الرئيس الإيراني حسن روحاني أكثر من مرة كان آخرها خلال اجتماع منظمة شنغهاي، عندما أكد أن تنظيم الدولة الإسلامية هذا لا يمكن القضاء عليه بضربات جوية بل يحتاج إلى تعاون وتنسيق إقليمي ودولي. ولكن تعامل الأمريكيين مع العرض الإيراني كما مع نظام الأسد، يوحي بأن إيران جزء من المشكلة وأن سياساتها الطائفية وسياسات حلفائها في سورية والعراق وغيرها قد أسهمت في صعود التنظيم وغيره من التنظيمات الراديكالية، وأنه لا يمكن محاربة «داعش» بتحالفٍ مرئى مع إيران؛ لأن ذلك سيحول أمريكا إلى طرفٍ في حرب طائفية بين المسلمين. لذلك قررت واشنطن، وبضغطٍ من حلفائها العرب أيضا تجاهل العرض الإيراني وعدم قبول طهران في التحالف الدولي. وأثار رفض واشنطن التنسيق مع إيران المخاوف نفسها التي أثارها لدى نظام الأسد؛ أي نشوء احتمال فرض ترتيبات سياسية جديدة سواء في سوريا أو في العراق لا تتلاءم مع مصالحها. من هذا الباب يصبح التدخل الأمريكي نعمة ونقمة في الوقت نفسه بالنسبة لإيران؛ فالتدخل يحول الصراع إلى صراعٍ ضد الإرهاب أساسا، وليس ضد الاستبداد. ولكن حاجته إلى بعض الصدقية السياسية لتجنيد الشعوب العربية ضد الإرهاب، قد تدفعه إلى فرض حلول سياسية تتجاوز الهيمنة الإيرانية.. وعلى الجانب الآخر ومع تفاقم الوضع الاقتصادي فى إيران، ترتفع شعارات مناوئة لسياسة الحكومة الإيرانية في سوريا. وتقول الشعارات منذ الأيام الأخيرة لنجاد وحكومته وحتى الآن: «دعكم من سوريا واهتموا بشأننا»، لكنَ القادة الإيرانيين لهم رأي آخر، إذ لا يخفون أهمية الموقع الجغرافي الإستراتيجي لسوريا بالنسبة لإيران. ومن المهم أن نلاحظ هنا أن طهران تمتلك مهارة في رسم إستراتيجيات للعمل في محيط الخصم، وإيران ستكون قادرة على التحرك في مرحلة ما بعد الأسد، وهي المرحلة التي بدا من الواضح أنها لن تكون مرحلة انتقال سلس وتحول سياسي بقدر ما ستكون مرحلة فوضى سياسية واقتتال وتصفيات دموية. وحتى مع الذهاب بعيدا في «التفاؤل» وتشكيل حكومة سورية جديدة، فمن المستبعد أن تكون هذه الحكومة متجانسة من حيث التركيب وقادرة على فرض السيطرة والسيادة علي كامل الأراضي السورية، وحالة الفوضى هذه تصب في مصلحة إيران أكثر من مصلحة أعدائها. وفى الواقع أن ما يحدث الآن مفاده فى ما قاله أستاذ العلاقات الدولية والأكاديمي البارز في إيران، الدكتور محمود سريع القلم، أن «إيران خسرت الربيع العربي، وأن دولاً أخرى كانت الرابحة من هذه الثورات».. وبالتالى فإن ما تحلم به إيران الآن ينصب أولا فى التخلص من «داعش» ثم تبدأ من جديد فى التحرك نحو تحقيق أطماعها فى سوريا وهو هدف الأمريكان أيضا!