كنت أشاهد استجوابا من قبل لجنة بالكونجرس الأمريكي لكل من وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيجل ورئيس أركانه ديمبس وذلك يوم الثلاثاء الماضي الموافق 16 سبتمبر من هذا العام. وقال هيجل ما مفاده؛ «إن المشاركة العربية والاسلامية مهمة لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية».. وانهم يقومون بتدريب نحو 5000 معارض سوري لمواجهة داعش وليس قوات الأسد، أو نظامه..! بيد أن كلاً من هيجل، ورئيس أركانه، لم يحددا نوع وحجم المشاركة العربية والإسلامية، والمطلوبة أمريكيا لمواجهة داعش..! لكن هيجل، أردف قائلا، وهو بكامل أناقته، وهدوئه، وكذا اتزانه، وكذا رئيس أركانه وكأننا فى حقيقة الأمر أمام فيلم من أفلام الكوميديا السوداء، والتي تعرض لقضية ما من قضايا «النصب» الدولي المحكم «نحن فى حاجة إلى 500 مليار دولار لتمويل الحملة العسكرية ضد داعش، بالإضافة إلى خمسة مليارات أخرى... وهنا انقطعت الكهرباء فى حقيقة الأمر، ولم أستطع مواصلة متابعة «حلقة النصب».. أو.. عفوا حلقة استجواب لجنة الكونجرس الأمريكي، والذى كان أحد أعضائها جون ماكين المرشح الرئاسي الجمهوري الأمريكي السابق حيث قطعت الكهرباء فجأة عند الحديث. عن الخمسة مليارات دولار الإضافية فلم أعرف حقيقة سبب، أو مبرر إنفاقها، وكنت متشوقا جدا لسماع ذلك المبرر من هيجل، أو ديمبس وإذا حذفنا الميم من اسم رئيس الأركان، فإن الكلمة تعنى عسل بالعامية العراقية، والتي للمفارقة سوف يقاتل فيها الأمريكان، مع حلفائهم، داعش..! ولكن لم يبد اليوم كله عسلاً، بالنسبة لي على الأقل، أو ديبس، خاصة بعد انقطاع الكهرباء . ولكن الأمر سوف يكون مختلفا، وبطبيعة الحال بالنسبة للأمريكان، فالشعور بالعسل، أو الديبس، هو أيضا أمر نسبي..! بيد أن خطة الأقوياء ضد المستضعفين فى الأرض، حتى ولو تمتعوا ببعض الغنى النسبي، هو إفقارهم بشتى السبل ففي عهد نيكسون مثلا تم تخفيض قيمة الدولار، ومن ثم فقد خسر العرب وحدهم، وفى غمضة عين، ما يوازى التريليون دولار تقريبا، حيث كانت كل ودائعهم النقدية، وغير نقدية، ومداخيلهم البترودولارية كانت موجودة، وبشكل حصري، فى البنوك، أو المصارف الفيدرالية الأمريكية ومن ثم الاستيلاء على أية فوائض نقدية، أو بالأحرى دولارية، لديهم، وبشتى السبل، أو حتى الحيل، بحيث يكون من العسير أو حتى من المستحيل، وفى نهاية المطاف, والعياذ بالله و فى المحصلة، أن تقوم لنا قائمة..! ففي خلال حرب اكتوبر، وبعد استخدام العرب لسلاح النفط، ولأول مرة فى التاريخ العربي الحديث، عام 73، تم التخطيط لاستنزاف الثروات العربية، ومن خلال حروب عبثية عربية عديدة ناهيك هنا حتى عن الحروب العربية الإسرائيلية، والتي اندلعت منذ نشأة إسرائيل، وحتى الآن، وناهيك أيضا، عما تمخضت عنه تلك الحروب من دمار، ثم إعادة إعمار، يتلوه دمار آخر، ثم إعادة إعمار آخر، وهكذا دواليك، كدمار، وإعادة إعمار غزة عدة مرات، وكذا جنوبلبنان، وضواح عديدة من لبنان، وسوريا، ومصر ذاتها، وغيرهم، والتي استنزفت حتى كل ما كان مدخرا من أموال. وجهد حقيقي للتنمية، أو نهضة حقيقية..! حيث اندلعت الحرب الإيرانيةالعراقية عام 1980، وخسرت العراق وحدها فقط، و فى تلك الحرب، ما يوازى مائتي مليار دولاا، فضلا عن مليون قتيل، ثم خسر العرب ما يوازى ضعف ذلك المبلغ تقريبا فى أعقاب غزو العراق للكويت عام 1990، ثم خسرت العراق وحدها ما يوازى التريليون دولار تقريبا فى أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق، ومن ثم تداعياته حتى الآن. إذن من أجل استلاب الفوائض النقدية العربية بجانب أسباب أخرى كثيرة، ذكرت بعضها فى مقال سابق لي بالوفد بعنوان: «لصالح من تعمل داعش فى المنطقة..؟! تم تخليق داعش فى المعامل الامريكية، كما تم تخليق القاعدة، من قبلها، وكما تم تخليق إسرائيل ذاتها، أيضا، ومن قبلهم جميعا، كما يمكن أيضا، وفى المستقبل، تخليق أية تنظيم إرهابي آخر، وتحت أي مسمى آخر، وذلك إذا ما ظهرت فى الأفق أية فوائض مالية أخرى عربية جديدة و كبيرة، وذلك فقط من أجل استنفاد تلك الفوائض، وهكذا دواليك..! أما المضحك المبكى فى هذا الأمر، فهو اتحاد، أو اجتماع، أو تحالف سمها ما شئت كل الأضداد ضد داعش، بدءا من المعارضة السورية المسلحة، ونظام بشار الأسد، جنبا إلى جنب مع إيران، وحزب الله، وكل دول الخليج العربي، أو دول مجلس التعاون الخليجي، وروسيا، وأوروبا، والولايات المتحدة، ومصر والأردن، وغيرها. فى حين أن داعش لم يفعل بالشعب السوري واحداً على الألف مما فعله بشار الأسد فى شعبه، ومع ذلك لم يتحرك العالم لردعه كما يتحرك أو تحرك بالفعل الآن لردع داعش، كما لم يفعل داعش فى ضحاياه وبدون مبالغة واحداً على المليون، مما فعلته إسرائيل، بفلسطين، والفلسطينيين، بصفة خاصة، وجل الدول العربية، والشعوب العربية، بصفة عامة. أفلا يجب أن يلقى فى روعنا هذا حتى ولو بعض الشك، ناهيك عن الحياء..؟! بقى أن اذكر، وقبل أن انهى مقالي هذا؛ أن إسرائيل أنشئت بحوالي خمسين مليار دولار فقط وبأموال عربية، وبطبيعة الحال ومن ثم فإن ما طلبه هيجل من مشاركة الدول العربية والإسلامية، المقصود به حصريا، وتحديدا، هو المشاركة المالية العربية الخليجية الأساسية، ومن قبل دول مجلس التعاون الخليجي بالذات، وذلك لتدبير مبلغ نصف تريليون دولار، بالإضافة إلى خمسة مليارات دولار إضافية، أي ما يوازى 5 و10 عشرة ونصف فقط لا غير من إنشاء إسرائيل..!