«فرانسوا تروفو».. رائد الموجة الجديدة في السينما الفرنسية في أواخر خمسينيات القرن الماضي.. المخرج الرائع، والفنان متعدد المواهب يبدو أن هذا العام هو سنة الاحتفاء به في كل المهرجانات بدءاً من مهرجان «كان» إلي مهرجان «أبوظبي» احتفالاً بذكري مرور 30 عاماً علي رحيله في 21 أكتوبر. «فرانسوا تروفو» جمع بين الإخراج والإنتاج والتأليف والتمثيل السينمائي، وهو أكثر المخرجين الفرنسيين شعبية ونجاحاً، حلم تروفو أن يصنع 30 فيلماً ولكنه حقق 21 منها وذلك بسبب موته المبكر عن 52 عاماً بسبب سرطان المخ، وهو يعتبر أحد أكثر المخرجين براعة في تاريخ السينما ومازال منبع إلهام لصانعيها وهو من أطلق موهبة ماري فرانس بيزييه في عالم التمثيل. مهرجان أبوظبي السينمائي يحتفل بالمخرج الفرنسي الراحل «فرانسوا تروفو» صاحب الجملة الشهيرة «محبي الأفلام مرضي» خلال الدورة الثامنة من المهرجان التي تقام في الفترة من 23 أكتوبر إلي 1 نوفمبر المقبل، ويعرض المهرجان مجموعة من أفلام تروفو، مرممة ومحملة إلي النظام الرقمي وتتضمن القائمة «400 ضربة» و«جول وجيم» و«الصبي المتوحش» و«الرجل الذي أحب النساء» و«مصروف جيب» الحائز علي جائزة الأوسكار، و«الليل الأمريكي» و«المترو الأخير» الذي عرض في مهرجان كان السينمائي هذا العام ضمن برنامج «كلاسيكيات كان» وتم الاحتفاء بالمخرج الفرنسي «فرانسوا تروفو» أيضاً في مهرجان فينسيا بعرض «قبلات مسروقة» 1968 وهو من أهم الأفلام في مسيرة هذا المخرج، حصد الفيلم جائزتين في مهرجانين مختلفين، وأفضل مخرج من المجتمع الوطني لنقاد الفيلم في الولاياتالمتحدة، والفيلم هو الجزء الثالث عن «أنطوان دونيل» بعد «400 ضربة» الذي أخذ من شعار المهرجان، و«أنطوان وكوليت» الفيلم يراه البعض محتوي علي تفاصيل من حياة المخرج، وتلك أشياء لها علاقة كبيرة بسينما تروفو، وقام مهرجان لوس أنجلوس للأفلام الفرنسية «col-coa» بتكريمه وعرض فيلمه الكوميدي «الرجل الذي كان يحب النساء» 1975 الذي يسرد قصة ملاحق نساء يدعي بيرنارد يدفع حياته ثمناً لمغامراته مع الجنس اللطيف، والفيلم يحوي مضامين ذات صدي من سيرته الذاتية، مستعرضاً قصة طفولته الصعبة وعلاقته الفاترة مع أمه التي لم تعره أي اهتمام، وهذه القصة مستلهمة من طفولة تروفو المضطربة التي كانت قليلة الحب ومليئة بالتحديات والمشاكل، كما جسدها بشكل مفصل في فيلمه الأول «400 ضربة» الذي حازه بجائزة أفضل مخرج في مهرجان «كان» للأفلام عام 1959.. الغريب هو أن طفولة تروفو الصعبة هي التي دفعته إلي اللجوء لصالات السينما ليهرب من الواقع المر عندما كان يعيش مع والديه أصبحت منبع إلهام لعديد من أفلامه، وهذا ما قالته ابنته لورا تروفو لأنها التقت مع جديها مرة واحدة فقط في الثامن من عمرها لأنهم كانوا لا يرغبون في الأطفال. بدأ تروفو حياته المهنية كناقد سينمائي في مجلة «كراسات السينما» مهتماً بالسينما الكلاسيكية والمخرج الفرنسي كلود ليلوش، قال: إن كتابات تروفو كانت غالباً تزعجه لانتقادها اللاذع للمخرجين الفرنسيين الكلاسيكيين المفضلين له، ثم أصبح تروفو واحداً من أبرز رواد الموجة الفرنسية الجديدة التي تحدت نظام صنع الأفلام التقليدية وتبنت أساليب تعتمد علي التصوير خارج إطار الاستوديو واستعمال الضوء الطبيعي، وفي عام 1959 قام تروفو بإخراج فيلم «400 ضربة» الذي يعتبر نقطة تحول من الكلاسيكية الفرنسية إلي الحداثة واللبنة الأولي للموجة الجديدة، ولكن تراجع تروفو بعد الفشل التجاري لفيلمه «أطلق النار علي عازف البيانو» 1961 وصارت أفلامه أكثر شبهاً للسينما الكلاسيكية. ومن أعماله الشهيرة «جول وجيم» وتدور الأحداث في فترة من 1871 حتي 1914 عن طالبين بوهيميين، لا يفترقان ويعيشان في باريس بنمط حياتي غير مألوف ويتقاسمان الأذواق الفنية ووجهات النظر حول الوجود والانتصارات، من بطولة جان مورو وهنري سير وأوسكار فارن، الفيلم موسوعة من مصطلحات السينما الشاملة، وتم توظيف معظم الوسائل المرئية الفنية قلما استخدمها في تلك الحقبة، مثل اللقطات الساكنة أشبه للصور الفوتوغرافية، واللقطات السينمائية السريعة علي وجه الممثلين والتفاصيل الأخري، والتصوير الحر أشبه بالتصوير الوثائقي، كما أن الفيلم اعتمد علي الحوارات الداخلية من قبل ميتشيل سوبر، في هذا الفيلم استأجر المخرج «فرانسوا تروفو» المصور السينمائي المحترف راؤل كوتارد واستأجر بدوره كاميرات خاصة للإضاءات الخفيفة لإخراج فيلماً ذو أسلوب جديد، اعتمد سيناريو هذا الفيلم علي مذكرات المؤلف هنري بير روتشي عن صداقته مع الأديب فرانز هيزل وزوجته هيلين جرانت، في المنتصف الأول من القرن العشرين، وقد سمح للمخرج أن يعبر سيرة الأديب بشكل مختلف. وهناك فيلم «الطفل المتوحش» 1970 ولعب فيها تروفو نفسه دور البطولة عن طفل بعمر «ماوكلي» 12 عاماً تقريباً يعيش في الأدغال وتروفو طبيب في باريس يهتم بحالته لأسباب علمية وطبية، أما «الحب الهارب» 1979 فيحاكي نفس الأسلوب الذي عالج فيه تروفو هذه السيرة في ثلاثة أفلام سابقة «أنطوان وكوليت» و«قبلات مسروقة» و«سرير ولوح» من كوميديا تلقائية إلي حد الارتجال، ولكن بلمسة شاعرية، وفي فيلمه «فهرنهايت 451» بطولة أوسكار فيرنر وجولي كريستي استبدل «فرانسوا تروفو» لائحة أسماء المشاركين في الفيلم التي تتصدر الأفلام بصيغة مكتوبة عند عرضها علي الشاشة، بتقديمها بدلاً من ذلك بأصوات ناطقة، وذلك تأكيداً علي حرق الكتب والمواد المطبوعة في قصة الفيلم. رشح فيلم «فهرنهايت 451» لثلاث جوائز سينمائية شملت جائزة الأسد الذهبي من مهرجان البندقية السينمائي، وجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتليفزيون لأفضل ممثلة للممثلة جولي كريستي، وجائزة أفضل سيناريو من جوائز هيوجو الأمريكية المتخصصة بأفلام الخيال العلمي، يشار إلي أن مخرج الأفلام التسجيلية الأمريكي الشهير مايكل مور استمد عنوان فيلمه التسجيلي «فهرنهايت 11/9» 2004 مع عنوان «فهرنهايت 451». «400 ضربة» للمخرج «فرانسوا تروفو» يستمد أهميته من عدة نواح، فهو أول أفلام المخرج الفرنسي «فرانسوا تروفو» بعد أن قضي فترة من شبابه كناقد سينمائي في كراسات السينما وهو اللبنة الأولي لما أطلق عليه الموجة الفرنسية الجديدة، التي اشتهرت بأسماء مخرجين كبار علي رأسهم تروفو وجوادر وشابرول وغيرهم، ممن قادوا التيار الذي ظهر كتيار يغاير سينما هوليوود، ويحمل عناصر تمثل الثورة علي مفاهيم سائدة في وقتها، لتبرز مكانها مفاهيم جديدة مثل «الفيلم يشبه مخرجه» و«عمق المجال» و«هامش التفاصيل» وتحتفي بسينما رينوار وويلز وهيتشكوك.