لم يكن نصيب فرشوط مماثلا لكافة المدن من الاضطرابات والانفلات الأمني عقب ثورة يناير بل تكبدت المدينة فاتورة باهظة من الرعب والهلع ولازالت، فضلا عن حالة الكساد وتراجع المدينة اقتصاديًا، بسبب الخصومة الثأرية بين عائلتي "السحالوة" والمخالفة". بداية الخصومة عائلة "أبو سحلي" من العائلات ذات الخلفية السياسية والتاريخية في محافظة قنا؛ ومنهم الوزير أنور أبو سحلي وزير العدل في أواخر السبعينيات، وبالتزامن فإن عائلة "المخالفة" هي أحدي كبار العائلات في فرشوط وتستحوذ علي نسبة كبيرة من الأنشطة التجارية، وبصلات مصاهرة مع العديد من عائلات المدينة. في سنة 2010 بدأت فصول الخصومة الثأرية بين العائلتين بمناوشات في يوم الاقتراع في انتخابات مجلس الشعب بسبب اختلاف التوجهات السياسية للعائلتين في تأييد المرشحين في دائرة نجع حمادي وفرشوط. ووقتها كبحت الشرطة جماح الطرفين، وبقيت النار تحت الرماد. في سنة 2011 ومع الانفلات الأمني والاضطرابات التي شهدتها البلاد ضمن تأثيرات ثورة 25 يناير ، اشتعلت الأزمة من جديد بين العائلتين بسبب مناوشات الأطفال من العائلتين في المدارس مع بعضهما البعض، وبدأ نزيف الدم بين العائلتين وتحولت شوارع المدينة التجارية إلي ساحة حرب تزامنًا مع شراء العائلتين كميات كبيرة من الأسلحة النارية المتنوعة التي راجت تجارتها في ذلك الوقت، وتوالي سقوط الضحايا من العائلتين حتي بلغ 10 قتلي خلال 4 سنوات ونحو 30 مصابًا من العائلتين ومن خارجهما.
ترتيب الوضع القبلي والعائلي ويقول الدكتور وائل النجمى، باحث في التنمية الثقافية، أحد أبناء مركز فرشوط، إن ما حدث في فرشوط بين السحالوة والمخالفة خصومات ليست خالصة لوجه الثأر والانتقام، بقدر ما هي محاولات لإعادة ترتيب الوضع القبلي بين العائلات، فسواء بقصد أو بدون قصد كانت هناك تراتبية وطبقية معينة بين القبائل، ومع ظهور بوادر إعادة تشكيل المجتمع تناحرت بعض القبائل بهدف التأكيد على الريادة، متأثرة في ذلك بصراع انتخابي، وما أدل على ذلك من قيام العائلتين أكثر من مرة في تسبب الرعب والفزع لأهالي مدينة فرشوط بما يخالف تقاليد الثأر المتعارف عليها، بهدف التأكيد على ما تمتلكه كل عائلة من ترسانة أسلحة. ويوضح "النجمى" أن جذور المشكلة السماح بوجود مكان للقبلية في منظومة الدولة تحت مسميات الأعيان وكبار المجتمع، والشرط الاجتماعي في الوظائف الكبرى بما جعل بعض القبائل تحتكر دون غيرها مناصب معينة، أو تختص بالمقاعد البرلمانية، هذا الوضع يحتاج لتدخل عاجل لإنهاء المشكلة القائمة بتطبيق القانون على من يروع الناس، وهو ما نشهد فيه خطوات جيدة مؤخرا، لكن يجدر أن يكون هناك درس مستفاد بإعادة النظر حول التوسع في اللامركزية في الصعيد في ظل توتر القبلية، وحول أثر اختصاص بعض القبائل بوظائف سيادية دون غيرها من ناحية أخرى على المجتمع العام. حالة من الرعب ويروي أحد أهالي المدينة رافضًا ذكر اسمه أن الطرفين ارتكبا تجاوزات عديدة ومنها إصابة مواطنين لا علاقة لهم بالطرفين، وتجاوزهما حدود منطقة سكنهم، وأن سكان المدينة يعيشون حالة من الذعر حالة وقوع اشتباكات بين الطرفين في الشوارع والأسواق، وأن أصحاب الأنشطة يقومون بغلق متاجرهم وتتوقف الحياة في المدينة. ويضيف أن عدم الحزم من الأجهزة الأمنية مع الطرفين وردعهم ونزع السلاح تسبب في تماديهما في فصول الخصومة، وطالب بتدخل حاسم وقوي من التنفيذيين لوأد الخصومة الثأرية وإعادة الهدوء للمدينة. ويكشف أحد التاجر أن المدينة فقدت طابعها التجاري بسبب الخصومة، وقال " نضطر لغلق المحلات التجارية وقت بدأ إطلاق النار، ويهرول الزبائن إلي العودة لمنازلهم وقراهم خوفا علي حياتهم وحياة أبنائهم"، لافتًا أن مدينة نجع حمادي 7 كيلو متر جنوب فرشوط ، هي التي استثارت بالحركة التجارية بسبب الخصومة. لجنة المصالحات وتعتبر خصومة "السحالوة" و"المخالفة" من أغرب الخصومات الثأرية التي شهدتها محافظة قنا، من حيث استمرار سقوط الضحايا فيها لمدة 4 سنوات، وتأثيرات تلك الخصومة علي الحياة العامة في المنطقة، حيث تدور تفاصيل الخصومة والقتل في الشوارع والأسواق، وكميات الأسلحة الضخمة المستخدمة فيها، فضلا عن وفاة ضحايا ليس لهم علاقة مباشرة في النزاع وأبرزهم جمال رشدي، ناظر مدرسة، ورغم تمكن لجنة المصالحات الثأرية في قنا وأسوان في إنهاء 21 خصومة ثأرية في قنا خلال الشهور الماضية، بالتنسيق المباشر مع الأجهزة الأمنية، إلا أن اللجنة لم تنجح حتي الآن في إسدال الستار علي خصومة "السحالوة" و"المخالفة". ويفسر الداعية الإسلامي الشيخ أحمد عبد اللطيف الكلحي، عضو لجنة المصالحات الثأرية، ذلك "بمماطلة طرفي الخصومة في إتمام الصلح". وأردف أن تجدد الخصومة الثأرية باستمرار وفي وقت قصير يعطل إنهاء الخصومة، رغم عقد أكثر من جلسة برئاسة كمال تقادم رئيس لجنة المصالحات الثأرية في قنا وأسوان مع العائلتين. وطالب "الكلحي" بتشديد القبضة الأمنية والشراكة مع الأجهزة الأمنية لإنهاء الخصومة بين الطرفين، موضحًا أنه دون تعاون الشرطة وكبح جماح العائلتين فأن الصلح لن يتم، وكشف عضو لجنة المصالحات الثأرية، أن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر أبدي استعداده للتدخل والحضور إلي فرشوط لإنهاء الأزمة، ولكن مماطلة العائلتين في إتمام الصلح مع لجنة المصالحات يجعل حضور "الطيب" كقيمة كبيرة في مصر والعالم الإسلامي غير محبذ في ظل الأوضاع الحالية.