مدينة فرشوط هى عاصمة المركز قبل الأخير فى محافظة قنا شمالاً، وتبعد نحو 67 كيلومتراً عن مدينة قنا، وتضم 3 مجالس قروية كبيرة يتبعها عدد من القرى والنجوع وفضلاً عن تاريخية ذلك المركز الذى كان الأمير همام بن يوسف (شيخ العرب همام) صاحب أول محاولة لاستقلال الصعيد عن حكم المماليك يتخذ منه مقراً لحكمه وتوجد به أملاكه، فإن مدينة فرشوط هى إحدى المدن التجارية المهمة فى محافظة قنا، وكانت لها صلات تجارية واسعة مع السودان، قديماً، بعد ثورة 25 يناير 2011 حدثت تغييرات كبيرة فى المدينة أثرت على حركة التجارة والحياة اليومية عند السكان، لم يكن نصيب فرشوط مماثلاً لكافة المدن المصرية من الاضطرابات والانفلات الأمنى، عقب ثورة يناير، بل تكبدت المدينة فاتورة باهظة من الرعب والهلع ومازالت مستمرة، فضلا ًعن حالة الكساد وتراجع المدينة اقتصادياً، بسبب الخصومة الثأرية بين عائلتى »السحالوة» و«المخالفة». بدأت فصول الخصومة الثأرية بين العائلتين عام 2010 بمناوشات فى يوم الاقتراع فى انتخابات مجلس الشعب بسبب اختلاف التوجهات السياسية للعائلتين فى تأييد المرشحين فى دائرة نجع حمادى وفرشوط، ثم اشتعلت الأزمة من جديد بين العائلتين بسبب مناوشات الأطفال فى المدارس وبدأ نزيف الدم بين العائلتين وتحولت شوارع المدينة التجارية إلى ساحة حرب تزامناً مع شراء العائلتين كميات كبيرة من الأسلحة النارية المتنوعة التى راجت تجارتها، فى ذلك الوقت، وتوالى سقوط الضحايا من العائلتين حتى بلغ 10 قتلى خلال 4 سنوات ونحو 30 مصاباً من العائلتين ومن خارجهما. ويقول الدكتور وائل النجمى، باحث فى التنمية الثقافية، إن ما حدث بين السحالوة والمخالفة خصومات ليست خاصة لوجه الثأر والانتقام، بقدر ما هى محاولات لإعادة ترتيب الوضع القبلى بين العائلات، فسواء بقصد أو دون قصد كانت هناك تراتبية وطبقية معينة بين القبائل، ومع ظهور بوادر إعادة تشكيل المجتمع تناحرت مع بعضها البعض بهدف التأكيد على الريادة. ويوضح «النجمى» أن جذور المشكلة الحقيقية السماح بوجود مكان للقبلية فى منظومة الدولة تحت مسميات الأعيان وكبار المجتمع، والشرط الاجتماعى فى الوظائف الكبرى بما جعل بعض القبائل تحتكر دون غيرها مناصب معينة، أو تختص بالمقاعد البرلمانية، هذا الوضع يحتاج لتدخل عاجل من الدولة لإنهاء المشكلة بتطبيق القانون على من يروع الناس، وهو ما نشهد فيه خطوات جيدة مؤخراً، لكن يجدر أن يكون هناك درس مستفاد بإعادة النظر حول التوسع فى اللامركزية فى الصعيد فى ظل توتر القبلية، وحول أثر اختصاص بعض القبائل بوظائف سيادية دون غيرها من ناحية أخرى على المجتمع العام. ويروى أحد أهالى المدينة، رافضاً ذكر اسمه، إن الطرفين ارتكبا تجاوزات عديدة ومنها إصابة مواطنين لا علاقة لهما بالطرفين، وتجاوزهما حدود منطقة سكنهما، وأن سكان المدينة يعيشون حالة من الذعر حالة وقوع اشتباكات بينهم فى الشوارع والأسواق، وأن أصحاب الأنشطة يقومون بغلق متاجرهم وتتوقف الحياة فى المدينة، كما فقدت المدينة طابعها التجارى بسبب الخصومة، وقال: «نضطر لغلق المحلات التجارية مع بدء إطلاق النار، ويهرول الزبائن إلى العودة لمنازلهم وقراهم خوفاً على حياتهم وحياة أبنائهم». وتعتبر خصومة «السحالوة» و«المخالفة» من أغرب الخصومات الثأرية التى شهدتها محافظة قنا، من حيث استمرار سقوط الضحايا فيها لمدة 4 سنوات، وتأثيرات تلك الخصومة على الحياة العامة فى المنطقة، حيث تدور تفاصيل الخصومة والقتل فى الشوارع والأسواق، وكميات الأسلحة الضخمة المستخدمة فيها، فضلاً عن وفاة ضحايا ليس لهم علاقة مباشرة فى النزاع وأبرزهم جمال رشدى، ناظر مدرسة، رغم تمكن لجنة المصالحات الثأرية فى قنا وأسوان فى إنهاء 21 خصومة ثأرية فى قنا خلال الشهور الماضية، بالتنسيق المباشر مع الأجهزة الأمنية، إلا أن اللجنة لم تنجح حتى الآن فى إسدال الستار على خصومة «السحالوة» و«المخالفة». ويفسر الداعية الإسلامى الشيخ أحمد عبداللطيف الكلحى، عضو لجنة المصالحات الثأرية، ذلك بمماطلة طرفى الخصومة فى إتمام الصلح، وأضاف أن تجدد الخصومة الثأرية باستمرار وفى وقت قصير يعطل إنهاءها رغم عقد أكثر من جلسة برئاسة كمال تقادم رئيس لجنة المصالحات الثأرية فى قنا وأسوان مع العائلتين، وطالب «الكلحى» بتشديد القبضة الأمنية لإنهاء الخصومة بين الطرفين، موضحاً أنه دون تعاون الشرطة وكبح جماح العائلتين فإن الصلح لن يتم، وكشف عضو لجنة المصالحات الثأرية، أن فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، أبدى استعداده للتدخل والحضور إلى فرشوط لإنهاء الأزمة. كذلك تدخل وزير الداخلية ومحافظ قنا.