كانت تضحكنى هذه الجملة المنقوصة «إذ فجأة»، وأنا أسمع أولادى يتداولونها مع أصدقائهم عبر الهاتف وينطقونها «وده حصل إذ فجأتن» مع كسر التاء تعمداً للدعابة، ليعبروا بها عن رفض مهذب لدعوة خروج لم يستعدوا لها، أو تغيير اتفاق كان بينهم وبين أصدقائهم دون سابق إنذار لهم، أو ظهور مشكلة صادفت أصدقاءهم ولم تكن متوقعة، واكتشفت مع الوقت أنها عبارة صارت متداولة بين معظم الشباب، ودخلت نطاق لغتهم الغربية الجديدة التى تداخلت فيها العربية مع اللاتينية مع العجمية مع اللالغة، كل هذا لا يهم، فليعبث الشباب بالكلمات للدعابة أو التحاور الخاص بينهم ما لم يضروا، ولكن الكارثة أن تتحول العبارة المنقوصة إلى منهج ونظام حياة، تسير عليه مصر بوزاراتها المتتابعة قبل وبعد ثورتين، ويعتمد عليه كل مسئوليها فى سياستهم وأسلوب تعاملهم مع كل الملفات، بل مع أكثر القضايا حساسية وتماساً بحياة المواطنين، وقد أركز هنا على وزارة التعليم، التى أراها من أهم الوزارات التى تمس كل بيت مصرى، وتعد من أهم الوزارات المعنية بالتنمية البشرية لتربية وتعليم وإعداد صناع المستقبل وكل الأجيال القادمة. ف «إذ فجأتن»، اكتشفت وزارة التعليم أن موعد المدارس سيحل بعد أيام، فهرولت إلى المطابع لتطبع الكتب المدرسية، التى يقول مسئولوها إن 60% منها سيكون جاهزاً فى الأسبوع الأول، على أن يتم تسليم الباقى بعد هذا الأسبوع، ناهيك عن عمليات الترميم والبناء والتجديد التى لم تنته بعد داخل المدارس العام منها والخاص، التى تزداد وتيرتها مع قرب الدراسة بل وأثناء تواجد التلاميذ بالمدرسة، بما فى ذلك رصف وتعبيد الطرق أمام هذه المدارس قرب بدء الدراسة. و«إذ فجأتن»، اكتشفت وزارة التعليم أيضاً العجز فى عدد المدرسين، وليعلن الرئيس السيسى بناء على ذلك مسابقة للمعلمين لتعيين 30 ألف معلم مساعد قبل بدء الدراسة بأيام، وليصاب قطاع التعليم كله بالارتباك، فى هذا الإطار ما بين عمل المسابقات، واختبار المتقدمين، واختيارهم، وتوزيعهم على المدارس التى تعانى من العجز، وليتم هذا بضغط عملى ونفسى هائل، وعلى عجالة قبيل بدء الدراسة بايام. و«إذ فجأتن» اكتشفت وزارة الرياضة والشباب، أنها تترك فترة الصيف فارغة دون تدريبات للرياضيين بالأندية، ودون إقامة دورات أو بطولات، وأنها تقوم بذلك كله بكثافة مع بدء العام الدراسى، بل ويتم تحديد موعد البطولات الرياضية فى كافة الألعاب فى مواسم امتحانات التلاميذ والطلاب، سواء امتحانات نصف العام أو آخر العام، الأمر المثير للسخرية المؤلمة، هذا القرار العجيب الصادر بإمكانية تأجيل الطلاب لامتحانات آخر العام إلى الدور الثانى، إذا ما تواكبت الامتحانات مع إقامة البطولات الرياضية، وعلى الجامعات أن تقبل تنفيذ هذا القرار على مضض، وعلى الشباب أن يواصلوا الدراسة رغماً عنهم لأداء الامتحانات بعد مواعيدها، وكأن وزارة الشباب والرياضة والاتحادات الرياضية كائن غريب دخيل على مصر، لا يعرف مواعيد الدراسة بالمدارس والجامعات ولا الإجازات بمصر، ليتم التنسيق مع وزارتي التعليم والتعليم العالى فى هذا الشأن، بحيث لا تتعارض مواعيد البطولات مع مواعيد الامتحانات، حتى لا يتم وضع الطلاب والأهالى بين خيارين أحلاهما مر، أما تأجيل الامتحان، أو التخلى عن البطولة الرياضية، وكأن أيضاً مواعيد إقامة هذه البطولات تأتى لنا من الخارج، رغم أنها غالباً بطولات محلية وعلى مستوى الأندية داخل مصر، وليست بطولات دولية، وعاماً بعد عام تتراكم نفس المشكلة، دون حل، وليدفع الأهالى ثمن «إذا فجأتن» التى تسير عليها وزارة الشباب والرياضة والأندية. و«إذ فجأتن» اكتشفت وزارة الكهرباء والطاقة أن محطات توليد الكهرباء متهالكة منذ سنوات، وأنها لم تخضع للصيانة، وتحتاج إلى ما لا يقل عن أربعة مليارات دولار، وأن أكثر من ربع محطات التوليد يتجاوز عمره 20 عاماً، وأن هذه الشبكة المتهالكة لمحطات الطاقة لا يمكنها أبداً الصمود وتلبية احتياجات أكثر من 85 مليون نسمة، وكأن كل وزارات مصر المتتابعة قبل الثورتين وبعدهما، لم يكن لديها أى علم أو أى خطة للصيانة والتطوير والإنقاذ، بدلاً من أن تعيش فى مصر فى ظلام «إذ فجأتن»، تهالكت محطات توليد الكهرباء وظهرت المشكلة. وإذا «فجأتن».. إذ فجأتن.. تراها فى كل قطاعات الحياة فى مصر، تتفجر المشاكل فى كل مناحى الحياة لتعطل سير المصريين فى الشوارع، ومسيرة مصالحهم فى المؤسسات الحكومية والجهات غير الحكومية، وتستنزف ما تبقى منهم من طاقة وأعصاب وجهد ووقت ومال، وكأننا بلد عشوائى، يعيش ويعمل بلا خارطة، بل بصورة عشوائية مليئة بالبقع السوداء والحمراء من عثرات وعقبات، بلد عاش عقوداً طويلة وحتى الآن بلا خطط واضحة لأى وزارة، خطط خمسية ثلاثية أي «حاجة»، فإذا بنا بلد يسير على نهج «التوزير»، أى أن كل وزارة مربوطة برقبة وزيرها، فتتغير خطة كل وزارة مع تغير الوزير، هذا إن وجدت خطة فى الأصل، والآن وجب التغيير، وجب أن تعلن كل وزارة عن خطة عشرية.. على الأقل خمسية، خطة للتغيير، للتطوير، للمستقبل، وألا نواصل السير بسياسة العلاج لا الوقاية للمشكلات المتفجرة كل ساعة فى بلدنا الحبيب. اعترف لكم، لم تعد تضحكنى العبارة المنقوصة «إذ فجأتن»، فما أبشع أن تطبق وزاراتنا المصرية الحيوية التى ترتبط أعمالها بحياة المواطن اليومية، أن تطبق هذه العبارة فى أسلوب عملها المنقوص، الذى بات لا يعتمد أبداً على خطط متكاملة واضحة، خطط استراتيجية يتم من خلاها اختيار التوقيت لتنفيذ أفضل الخطط فى أقصر وقت مع أفضل نتائج، هل استوعبت حكومة محلب بكافة وزاراتها أخطاء الماضى وستحاول علاجها، أم أنها هى الأخرى ستسير على نهج «إذ فجأتن»؟