علي مدي السنوات الطويلة منذ بدء الصراع العربي - الإسرائيلي كتب المئات من المحللين السياسيين آلاف المقالات التي تشرح دون مشاعر شخصية أن الكيان الاستيطاني الصهيوني في فلسطين هو مشروع يحمل داخله جرثومة فنائه، شارحين أن العامل الديموجرافي وحده كفيل في خلال قرن من الزمان علي الأكثر أن يذوب هذا الكيان الاستيطاني في البحر العربي المحيط به، وأنه مهما بلغت القوة العسكرية لإسرائيل وتفوقها علي جيوش جيرانها العرب مجتمعين يستحيل في المدي الطويل صمود هذا الكيان في وجه التفوق العددي الهائل للعرب المحيطين به، فالمصير الوحيد المتاح أمام التجمع اليهودي في فلسطين هو التحول لأقلية مميزة اقتصادياً داخل البحر العربي الذي يطوقه علي غرار الأقلية العنصرية البيضاء داخل دولة جنوب أفريقيا، أو الهجرة ثانية من إسرائيل إلي خارجها. والمقال التالي الذي ننقله حرفياً - كما جاء بجريدة هاآرتس الإسرائيلية - في 6 يونيو بقلم كاتبها الشهير جديون ليفي يعكس بوضوح كامل الرعب الذي يجتاح الإسرائيليين من المستقبل. تحت عنوان «الخوف يدفع الإسرائيليين للحصول علي جواز سفر أجنبي» يقول ليفي: إن أعداداً متزايدة من الإسرائيليين يقدمون طلبات الحصول علي جواز سفر أجنبي، ليس لسهولة السفر ولكن لأن شيئاً ما أصبح خطراً كبيراً هنا، إن الأعداد تتزايد بسرعة والظاهرة محيرة، فكثير من الإسرائيليين يريدون جواز سفر ثانياً، وإذا كان شيمون بيريز رئيس إسرائيل الحالي قد وعد يوماً بتوفير سيارة خاصة لكل عامل فإن جواز سفر ثانياً أصبح الآن الأمل المرجو للإسرائيليين، وإذا كان آباؤنا المؤسسون لدولة إسرائيل قد حلموا بجواز سفر إسرائيلي، فهناك اليوم بيننا من يحلم بجواز سفر أجنبي. وقد نشرت دراسة في جامعة بار إيلان بمجلة أرتز أخيريت جاء بها أن حوالي مائة ألف إسرائيلي لديهم جواز سفر ألماني أيضاً، وقد تمدد هذا الاتجاه خلال الحقبة الماضية حيث يزداد عدد حاملي الجوازات الألمانية بواقع سبعة آلاف إسرائيلي سنوياً، ويضم لهذا العدد آلاف الإسرائيليين الذين لديهم جوازات أجنبية معظمها من دول أوروبية، والتبريرات لذلك غريبة ومختلفة، ولكن الأساس هو القلق والتوتر الشخصي والقومي، فجواز السفر الأجنبي قد أصبح بوليصة تأمين ضد يوم عاصف، ويزداد كل يوم عدد الإسرائيليين الذين يعتقدون أن هذا اليوم سيأتي فعلاً. في السنين الماضية كان جواز السفر الإسرائيلي مفيداً وفعالاً، كان يفتح الباب للدخول لمعظم دول العالم بخلاف بعض الدول العربية والإسلامية، من الصعب طبعاً أن نصدق أن من يريدون الحصول علي جواز أجنبي يفعلون ذلك لقضاء إجازة في طهران أو رحلة إلي بنغازي أو اليمن، والقول بأن جواز السفر الأوروبي يجعل دخول أمريكا أسهل لحامله لا يكفي لتفسير الظاهرة التي لا مثيل لها في الدول المتقدمة الأخري، ولا يحق لأحد انتقاد هذا القلق الإسرائيلي، فهو نتيجة طبيعية ومفهومه للخوف الحقيقي والمتوهم الذي زرع هنا، فعندما تباهي أفروم بورج منذ سنوات بأن لديه جواز سفر فرنسياً حدث سخط عام ضده دون جدوي، وربما كان بعض من سخطوا ضده فعلوا ذلك لأنهم لم تتح لهم الفرصة مثله في الحصول علي جواز سفر ثان، وربما تكالبوا بعد ذلك علي أبواب بعض السفارات الأجنبية لهذ الغرض، وكون ألمانيا بالذات هي التي يفضل الإسرائيليون الحصول علي جواز سفرها لم يعد سبباً للغضب أو العار، فقد أصبحت ألمانيا بالنسبة لكثير من الإسرائيليين بلداً مثل باقي البلاد، فوزراؤنا يركبون سيارات أودي الألمانية والغسالات التي نستوردها من ألمانيا هي أفضل الغسالات. لقد نجحت حملة الخوف وأصبح طالبو الجوازات الأجنبية يتصرفون بطريقة ذكية وأنهم أكثر ذكاء من زعمائهم، فإذا كان زعماؤنا يحاولون تخويفنا بقنبلة إيران النووية أو بالإخوان المسلمين في مصر وبالإرهابيين في غزة، إذا كانوا يخوفوننا بمحرقة جديدة قادمة فإنه من المنطقي أن نجهز أنفسنا بوسيلة حماية فعالة مثل جواز سفر أجنبي إضافي. وإذا كان هناك من ينظر لجواز السفر الأجنبي علي أنه عار قومي وحرج اجتماعي فعليه أن يلقي نظرة علي لماذا يفضل الإسرائيليون جواز سفر أجنبياً إضافياً؟.. إذا كانت لدينا زعامة جديرة بهذا الاسم، زعامة تفعل شيئاً لإبعاد الخوف عنا بدلاً من تخويفنا وزرع الرعب فينا، زعامة تحيي فينا الأمل فإن طوابير طالبي الجواز الأجنبي أمام السفارة الألمانية كانت ستتضاءل منذ وقت طويل، ولذلك فبدلاً من إدانة من يريدون الحصول علي جواز سفر أجنبي دعونا نتساءل بأمانة وشجاعة عن سبب إقدامهم علي ذلك؟.. إنهم يفعلون ذلك لأن هناك من يرعبهم، وأكثر من ذلك هناك من يعرض مستقبلنا هنا للخطر. جوازات سفر؟.. لو كان الشعب الفلسطيني لدي أفراده جواز سفر حقيقي فربما يحتاج الإسرائيلي إلي جوازين، إذا حاولت إسرائيل بعد كل هذه السنين أن تكون مقبولة في هذه المنطقة من العرب، بكل ما يعنيه ذلك فربما تفتح المنطقة عليها عن طريق جواز سفر واحد لونه أزرق وأبيض، ولو استمعت إسرائيل لنصائح أصدقائها في العالم، خاصة في دول أوروبا فربما لا يحتاج الإسرائيليون لجوازات سفر تلك الدول. إن إسرائيل دولة قوية قائمة ومفروض أن جوازات سفرها كافية بالنسبة لمواطنيها، وكون هذه الجوازات غير كافية للكثير من الإسرائيليين هو شهادة تفوق قوة ألف جواز سفر علي أن هناك شيئاً ما خطأ تماماً لدينا، فإسرائيل قد قامت لتكون جنة للشعب اليهودي بعد الأهوال التي عاناها في أوروبا، ومن سخرية القدر أن تعود أوروبا لتصبح جنة مرجوة للإسرائيليين. طبعاً كل من يستطيع من الإسرائيليين الحصول علي جواز سفر أجنبي إضافي من حقه أن يفعل ذلك، ولكن في طريقه للعودة من السفارة التي حصل منها علي الجواز عليه أن يسأل نفسه: هل فعلت دولته كل شيء من أجل ضمان أنه لن يحتاج لاستخدام هذا الجواز الإضافي؟.. الجواب طبعاً عن هذا السؤال هو النفي القاطع.. ومع ذلك فأنا شخصياً ليس لدي أي نية للحصول علي جواز سفر أجنبي إضافي. وإلي هنا ينتهي مقال الكاتب الإسرائيلي الذي استعرض فيه علي الملأ حقيقة الرعب الذي يعيش فيه المواطن الإسرائيلي رغم التفوق العسكري الذي تتمتع به إسرائيل علي جيرانها العرب، ورغم الدعم الهائل الذي تتلقاه من قوي الغرب الاستعماري التي زرعتها في المنطقة لتكون قاعدة لها تضمن للغرب بقاء هذه المنطقة متخلفة يسهل استنزاف مواردها. وليس لنا تعليق علي هذا المقال الخطير سوي تذكير المواطنين العرب أن الكيان الاستيطاني الإسرائيلي لن يسقط من تلقاء نفسه كالثمرة العطنة من فوق الشجرة، فلابد أولاً أن يستكمل العرب ثورتهم وتخلصهم من باقي الطغاة وكل الأنظمة العملية في المنطقة، وإلا فما دامت إسرائيل ومن ورائها الغرب قادرة علي تجنيد الحكام العملاء من العرب مثل الرئيس الذي سقط في مصر مؤخراً الذي أرعب إسرائيل سقوطه وقالت إنه كان كنزاً استراتيجياً لها، مادامت إسرائيل تستطيع زرع هذا النوع من الحكام العملاء في دول المنطقة فإنها تستطيع إطالة عمرها الافتراضي ربما إلي أن يرث الله الأرض ومن عليها. *نائب رئيس حزب الوفد