إن للكلمة دورا هذا صحيح، دورها أن تجسد الأماني حقيقة، دورها أن تقرب المستحيل، دورها أن تحرض، أن تتغنى بالعمل والهدف المقبل، أن تجعله محط الآمال والرجاء. مادعانى إلى هذه البداية، أنني حين وقفت واسع العينين، أحملق، لا فى شباب الثورة المعتصم في ميدان التحرير، وإنما فى حكاية ال30 عاملا وأكثر من عمال طريق الصعيد – البحر الأحمر الذين فقدوا حياتهم واستشهدوا وهم يقومون بأعظم ملحمة بطولية، شعرت وكأنى اتكلم وأكتب عن المستحيل، ليس عن المستحيل الذى قام به هؤلاء الشهداء عندما خاضوا أعظم وأنبل وأشرس معركة مع صخور وجبال بطول 400 كيلو، استخدموا خلالها كماً هائلاً من المتفجرات تجاوز حجمها الكمية المستخدمة وقت إنشاء السد العالى حتى اجبروها على الانهيار والاستسلام ليشقوا طريقا يربط بين محافظات أسيوط وسوهاج وقنا من جهة وادى النيل ومدينة سفاجا على البحر الأحمر. فالمستحيل الذى أقصده هو العثور على مستند أو وثيقة أو حتى أقصوصة يمكن أن تأخذنى إلى معرفة بيانات خاصة بهؤلاء الشهداء وظروفهم وأحوال عائلاتهم المعيشية، لا أحد وحتى كتابة هذه السطور يعرف عنهم شيئا، وهذا ما يخيفنى فعلا، أن تتلاشى حكاية شهداء ومصابى طريق الصعيد – البحر الأحمر، دون ان يعرف ثوار ميدان التحرير قصص وظروف استشهادهم وأهلهم وذويهم. عام كامل مضى وأنا فى رحلة المستحيل باحثاً عن هذه الأوراق والمستندات والبيانات، لم أفلح وكأن حكايتهم فص ملح وداب. قد تسألنى: ولماذا لم تذهب إلى شركات المقاولات التى كانت تقوم بالعمل فى هذا الطريق، أو وزارة الاستثمار التى طالما تغنت وصدعتنا بهذا الإنجاز الضخم وقالت عنه: إنه مشروع القرن وأعظم إنجازات العصر، فهل سألت فى هذه الاماكن? هل تصدقنى لو قلت لك، إننى قمت بذلك فعلا وكان يعاوننى فى هذا أحد الزملاء ولم نترك مكانا أو فرعا من فروع شركة النصر العامة للمقاولات «حسن علام» إلا وسألنا فيه عن هذه البيانات، وكانت الإجابة فى كل مرة لا توجد بيانات!! أظن أنه يبدو غريبا أن عمالا كانوا يعملون فى شركة مقاولات، وفى مشروع قومى كبير، كلنا شاهدنا افتتاحه وطالما أنشد ورقص فيه وغنى الدكتور محمود محيى الدين وزير الاستثمار، ولا توجد لديهم أية ملفات أو مستندات تؤكد أنهم كانوا يعملون حتى سقطوا شهداء فى هذا المشروع. نعم هذه هى الحقيقة، وهذا هو المستحيل بعينه، أن 30 عاملاً وأكثر يموتون ويستشهدون ولا معلومات عنهم. مازلت أتذكر عندما كنت فى أسيوط مدعوا لحضور احتفالها بعيدها القومى، وقتها وقف أحد الحاضرين أثناء الحفل يطالب بتخليد هؤلاء العمال الشهداء بإطلاق أسمائهم ووضع صورهم على طول الطريق من أسيوط إلى البحر الأحمر، يومها وعقب انتهاء الحفل تحدثنا نحن مجموعة من الإعلاميين والصحفيين وشددنا فى الحديث مع اللواء نبيل العزبى محافظ أسيوط السابق مؤكدين على ضرورة تنفيذ هذا الاقتراح النبيل. فهل يمكن أن تتحقق الأمانى ونعثر على البيانات الكاملة لشهداء ومصابى طريق الصعيد البحر الأحمر ويتم إطلاق أسمائهم على طول الطريق، أيضا هل يمكن أن يعترف ثوار 25 يناير بأن هؤلاء شهداء ويجب أن يتم تكريمهم ورعاية أبنائهم مثل شهداء الثورة.. أم أن الثورة لن تعترف بشهداء من هذا النوع.. أتمنى ان يكون لهذه الكلمات دور ويتحقق المستحيل. [email protected]