أحدثت الدورة السابقة للمهرجان القومي للمسرح جدلاً واسعاً حول الجوائز التي منحت والأخري التي حجبت، بجانب الاتهامات التي وجهت إلي لجنة التحكيم التي كان يرأسها الكاتب الكبير يسري الجندي، لذلك تحدثنا معه عن رأيه في مستوي العروض التي قدمت خلال الدورة وعددها 42 عرضاً مسرحياً، وما حدث في حفل الختام من مقاطعة كلمته ومطالبته بإعلان نتيجة الجوائز مباشرة. قال الجندي: منذ قدوم الإخوان وأنا مصاب بالاكتئاب وأعيش في عزلة بمنزلي بأكتوبر، إلي أن طلب مني رئاسة لجنة تحكيم المهرجان، التي اعتذرت عنها ثم نجح المخرج ناصر عبدالمنعم رئيس المهرجان والمخرج عبدالرحمن الشافعي في إقناعي أن أسهم بالتصحيح. وأضاف: المجتمع المصري يحتاج إلي خطة شاملة للتنوير مثل التي كان عليها قبل بداية القرن العشرين والأزمة أنه لا يوجد متسع من الوقت لكي ننظر ونجرب أشياء أخري، فكفانا ضحكاً علي أنفسنا، هذا هو الكلام الذي حاولت قوله أثناء كلمتي في الختام، ولكن الحضور ضاقوا من سماعه، وكانوا يريدون سماع النتيجة، والمسئولون كانوا يريدون الاحتفال بنجاح المهرجان، حتي إنه جاء الحارس الشخصي للوزير وطلب مني أن أنهي كلمتي لأن الوزير شعر بالتعب، فربما أكون أخطأت عندما قرأت التوصيات وهي منشورة ولكن كان لابد من التنبيه. وعن رأيه في مستوي العروض المشاركة، قال: كان رأيي منذ البداية أن هذه الدورة ليست مسابقة لجوائز بقدر ما أنها استكشاف لواقع صوره المسرح المصري، وهذا ما حاولت أن أقوله في كلمتي، وأن مصر تمر بمرحلة صعبة ليست مجرد ثورتين بل أكثر، فنحن في مخاض التغيير ويجب علي الجميع تحمل المسئولية، لأن المحيط الذي نتعامل معه يسع الجميع. فكانت كارثة حقيقية أن أجد 90٪ من الأعمال المشاركة في المهرجان القومي المصري أعمالاً أجنبية، كان لابد من وقفة والتنبيه أننا في خطر، وعندما منحنا عرض «المحاكمة» جائزة أفضل عرض مسرحي، لأن قضيته نحتاج إليها الآن، وهي التنوير لمحاربة الإرهاب والجهل، وهذا ما يجب أن يقوم به المسرح، تقديم أعمال لقضايا الواقع وألا يكون منفصلاً عن الحركة المسرحية الماضية. وعن حجب جائزة التأليف، قال: اللجنة ليست مضطرة إلي تزكية أعمال ليست علي المستوي المطلوب، ومع ذلك عندما جاء نقاش اللجنة حول تلك الجائزة اختلفنا حول منح الجائزة للأعمال المتوسطة كتشجيع منا للمؤلفين أن يقدموا أعمالاً أفضل المرة القادمة، وبين عدم التنازل عن المستوي المطلوب في الكتابة لكي يعرفوا أنه يوجد أزمة لدينا وكنت واحداً ضمن 3 أرادوا منح الجائزة، ولكن النتيجة حسمت بالتصويت. أنا كمؤلف كنت حزيناً لعدم منح جائزة التأليف، وما قالته سهير المرشدي لم يكن به إهانة للمؤلفين، ولكن الإهانة هو الإصرار علي أن ما قدموه خلال المهرجان إبداع حقيقي، وسهير فنانة لها طريقتها في التعامل مع الجمهور، وتقديم الجوائز بأسلوبها، واللجنة اختارتها لكي تلقي النتيجة. أما جائزة الاستعراض كانت من حق فرقة الرقص الحديث، فاللجنة مكونة من كافة التخصصات وجميع أعضائها معروفون في كافة المجالات الفنية، وما قدمته فرقة الرقص الحديث عن تعبير حركي وليس استعراضاً ولكننا كنا نلتمس أي سبب لمنح الجوائز، ومن يري أنه قدم استعراضاً حقيقياً فليبلغني. وعن غياب الدكتورة داليا بسيوني ومحمد شفيق أعضاء لجنة التحكيم عن حفل الختام، قال: تردد أن غيابهما لعدم رضاهما عن النتيجة، وهذا الكلام «عيب يتقال»، لأنه يوجد محضر للجلسة والجميع قام بالتوقيع عليه، وكذلك وزير الثقافة نفسه وقع علي المحضر، واللجنة ينتهي دورها بمجرد التوقيع علي ذلك المحضر، فإذا لم نحضر جميعاً الختام فهذا أمر يعود إلينا. وواصل حديثه قائلاً: كان شيء ظالم جداً أن نشاهد 42 عرضاً خلال 14 يوماً فقط، لذلك حاولنا أن نكون منصفين لأبعد الحدود، وأنا رضيت ضميري تماماً، فكنت أنزل من بيتي في الرابعة عصراً، ولا أعود إلا في الواحدة بعد منتصف الليل، وكان ذلك المجهود بسبب رفضي لرئاسة اللجنة في بادئ الأمر، ولكن أقنعني زملائي أنه إذا لم أكن راضياً عن العروض الموجودة فيجب أن أساهم وأشارك في التصحيح. وعن توافد الجمهور لمشاهدة عروض هذه الدورة، قال: المسرح أكثر الفنون جماهيرية وذلك ليس لأنه يدخله جمهور كثير بل لأن الجمهور عنصر أساسي من عناصر العرض، وتوافد الجمهور علي دورة المهرجان لا يعني أن الجمهور عاد مرة أخري للمسرح، لأننا لا نستطيع النظر إلي المسرح بمعزل عن الأحداث التي تمر بها البلد، فلدينا نقص في عملية التنوير أن نستطيع القول إنها مفقودة في المجتمع المصري. وبسؤاله عن أسباب تراجع مستوي العروض المسرحية، قال: نحن تربينا علي حركات مسرحية سابقة، وتم ربطها بحركتنا المسرحية، حتي جاء المهرجان التجريبي ليقطع حبل الوصل بين الجيل الحالي والسابقين، فضاعت أهمية الكلمة، وأصبح الشباب يختارون أعمالاً غير صائبة، فنتيجة 20 عاماً من الزاد التي تزودوا بها في إقصاء دور الكلمة والدور الاجتماعي والتنويري للمسرح أثر بالسلب علي هذا الجيل بالرغم من وجود مواهب جديدة في مجال الإخراج والتمثيل. وعن أزمة الثقافة المسرحية التي أشار إليها في ختام المهرجان، قال: أزمة الثقافة أنه يوجد عداء بين الدولة والمثقفين، وإذا انحازت قيادة الدولة للثقافة سيسترد المسرح عافيته، وفي هذه الدورة حدثت مشاركة بين المجتمع المدني والثقافة حيث ساهمت مؤسسة ساويرس وخالد صالح، فهكذا سيأتي الوعي العام، وأنا لا أتحدث عن الغد لأنني أعلم أن المسألة تحتاج إلي وقت للتغيير الذي أفسدته عقود سابقة، ولا يجوز أن يكون الأزهر، وهو صاحب المذهب الوسطي في الإسلام، أن يصبح طلابه هم من يحرقون المجتمع ويخربون فيه، ويخرجون في مظاهرات ويعرقلون الحياة الاجتماعية، فهذا يعني أن الأزهر يحتاج إلي مراجعة لمناهجه، مثل التعليم في مصر بالكامل يحتاج إلي المراجعة فإذا نظرنا إلي مشاكلنا سنجدها متشابكة ومترابطة. وفي النهاية أريد أن أقول إنه يجب علي الجميع، خاصة الشباب والمسئولين أن تتسع صدورهم لأنهم من سيقودون.