استبشر المصريون خيرا بالجملة التي رددها الرئيس عبدالفتاح السيسي مرارا: «الشعب المصري يريد من يحنو عليه» اعتقدوا أن زمن الهوان قد ولي وأن حكومة الرئيس المنتخب ستكون مختلفة، ستحنو علي الشعب المصري، ولكن الأيام أثبتت أنها لا تختلف كثيرا عن سابقاتها سواء حكومات الحزب الوطني طوال 30 عاما أو حتي حكومات ما بعد الثورة، فكلها تحاول علاج أزمات الوطن من جيب المواطن البسيط، حكومات قلوبها حجر، لا تفكر خارج الصندوق تلجأ للضرائب ورفع الأسعار كوسائل لتوفير مواردها متناسية قدرات هذا الشعب المطحون، وها هي حكومة «محلب» لا تخرج عن هذا التفكير، فبعد أن أرهقت الشعب المصري برفع الدعم تدريجيا عن المحروقات والسلع التموينية تبحث الآن كيفية رفع أسعار تذاكر المترو والقطارات، ورغم تصريحات وزير النقل بأن الرفع لن يتم إلا بعد تحسين الخدمة إلا أن النية متوفرة ولا عزاء للشعب المطحون. مسكين شعب مصر،. يعترف الجميع بطيبته وتزعم حكوماته بأنها تعمل من أجل رفع المعاناة عنه، إلا أن الأفعال تكشف زيف هذه التصريحات فطوال 30 عاما كانت حكومات الحزب الوطني تدعي أنها تعمل من أجل رفع المعاناة عن محدودي الدخل، وكان من نتيجة ذلك إفقار الشعب المصري حتي أصبح ما يقرب من نصفه يعيش تحت خط الفقر، وبسبب هذه المعاناة قامت ثورة 25 يناير، ظن المصريون خيرا في حكومات ما بعد الثورة، اعتقد الجميع أنها ستتفادي أخطاء حكومات الحزب الوطني، وأنها ستعمل من أجل المواطن الكادح صاحب الفضل في القضاء علي نظام مبارك إلا أن الرياح جاء بما لا تشتهيه السفن فحكومة عصام شرف لم تفعل شيئا رغم أنها ادعت أنها حكومة الثورة وتم اختيار رئيسها من الميدان وأقسم اليمين فيه ومع ذلك لم تختلف هذه الحكومة في أدائها عن حكومة «شفيق» التي أبقي عليها المجلس العسكري بعد توليه زمام الأمور بعد تنحي مبارك في فبراير 2011 ورغم أن هذه الحكومات زعمت كسابقاتها رفع المعاناة عن محدودي الدخل إلا أنها لم تقدم جديدا وبالتالي ذهبت غير مأسوف عليها، وتلتها حكومة الدكتور كمال الجنزوري الذي عرف عنه من قبل أنه رئيس وزراء الفقراء، إلا أنه في هذه المرة لم يقدم شيئا لهم، ومع سوء أحوال الاقتصاد المصري وتوقف عجلة الإنتاج، زادت معاناة المصريين وانشغلت حكومة الجنزوري بالمشاكل السياسية والإضرابات والاعتصامات التي واجهتها منذ اليوم الأول لتوليها الحكم، ونسيت المواطن المصري البسيط الذي ساءت أحواله أكثر وطحنه الفقر والغلاء وانعدام الرقابة علي الأسواق مما أشعل الأسعار. وبعد تولي الرئيس المعزول محمد مرسي وجماعته الحكم تولي الدكتور هشام قنديل رئاسة الوزراء ومثل كل من تولي هذا المنصب أكد في خطاب تكليفه بالوزارة أنه سيولي أهمية خاصة لمحدودي الدخل لرفع المعاناة عنهم، وأنه سيعمل من أجل تحسين أحوالهم وما هي إلا أيام قليلة وبدأت حكومته تكشر عن أنيابها وتتحدث عن خطة حكومته لرفع الدعم عن المحروقات خلال 4 سنوات ورغم ما يعنيه هذا من زيادة معاناة المصريين خاصة محدودي الدخل، الذين سترتفع عليهم أسعار كل شيء بدءا من وسائل المواصلات حتي الخضراوات والفاكهة إلا أن الحكومة بدأت في الإعداد لتنفيذ خطتها متناسية الرواتب التي كانت ومازالت متدنية. وبعد أن قامت ثورة 30 يونية وشارك فيها الشعب المصري بكافة فئاته للخلاص من حكومة الإخوان التي لم تقدم لهم شيئا استبشر المصريون خيرا بالعهد الجديد وظنوا أن الثورة الثانية التي قاموا بها ستغير من الواقع الأليم الذي يعيشون فيه وجاءت حكومة الدكتور حازم الببلاوي وراح المصريون يحلمون بغد أفضل خاصة بعد أن أخذت الحكومة الجديدة علي عاتقها مهمة تطبيق الحد الأدني للأجور ولكن غول الأسعار ظل بلا قيود حتي التهم كل ما يدخل جيوب المصريين، وبعد رحيل حكومة الببلاوي جاءت حكومة محلب، وبعد تجديد الرئيس السيسي الثقة فيها عقب انتخابه وتكليف المهندس إبراهيم محلب بتشكيل الحكومة الجديدة ظن المصريون أن الحكومة الجديدة ستنفذ تعليمات الرئيس وستحنو علي الشعب المصري ولأول مرة في تاريخه ستعمل الحكومة من أجل رفع المعاناة فعلا عنه، إلا أن الأيام أثبتت أن الحكومة الجديدة لا تختلف كثيرا عمن قبلها فأول شيء فكرت فيه هو رفع الدعم وزادت معاناة المصريين بعد أن تم رفع أسعار المواد البترولية وزادت معها تعريفة ركوب المواصلات وارتفعت أسعار السلع بشكل مبالغ فيه، وبدء رفع الدعم تدريجيا عن السلع التموينية وأصبح رغيف الخبز يباع بالبطاقة الذكية وحالته لم تتحسن كثيرا ثم زاد الطين بلة بالإعلان عن نية الحكومة لرفع تذاكر المترو بما يتراوح بين نصف جنيه الي جنيه كامل للتذكرة، ورغم نفي الرئيس عبدالفتاح السيسي هذا الأمر إلا أن وزير النقل المهندس هاني ضاحي أكد في تصريحاته أن تحريك أسعار تذاكر المترو والقاطرات سيتم بعد تحسين الخدمة في حين أكد رئيس الهيئة القومية للانفاق المهندس إسماعيل النجدي أن الهيئة تدرس زيادة أسعار تذاكر المترو الي جنيهين للتذكرة لمواجهة نزيف الخسائر الذي وصل الي 180 مليون جنيه ولكن هل الشعب المصري الذي زادت معاناته في الفترة الماضية بعد رفع أسعار المواد البترولية وتحرير أسعار السلع التموينية سيحتمل زيادة جديدة في الأسعار وهل تمتلك الحكومة آلية أخري لتوفير موارد لمشروعاتها المزمع إنشاؤها وسد عجز الموازنة المزمن؟ يجيب عن هذا التساؤل الدكتور صلاح الدسوقي الخبير الاقتصادي ومدير المركز العربي للدراسات الانمائية، مشيرا الي أن الحكومة الجديدة تحذو حذو الحكومات السابقة في رفع الأسعار وتحميل المواطن أعباء جديدة دون منحه أي حقوق لمواجهة هذه الأعباء، ورغم أن معاناة المصريين كانت سببا في قيام ثورتي 25 يناير و30 يونية إلا أن الحكومة لم تع هذا الدرس ومن ثم سارت في نفس المسار الذي يدفع ثمنه الفقراء من أبناء الوطن، وأبناء الطبقة الوسطي التي تضاءلت تماما ودخل معظم أبنائها في دائرة الفقر. ويطالب الدكتور صلاح بضرورة تبني الحكومة سياسة إصلاح اقتصادي حقيقية تعتمد علي الاغنياء وليس الفقراء، وذلك من خلال نظام ضرائب يعتمد علي الضريبة التصاعدية فكلما زاد الدخل زادت الضرائب والاهتمام بالمشروعات التنموية لزيادة فرص العمل، والاهتمام بالصناعات الثقيلة والتحويلية وإعادة الحياة الي المصانع التي خربتها الخصخصة وإلغاء دعم الطاقة الموجهة لمصانع الأسمنت والحديد والشركات الرأسمالية وتوجيهه للفقراء ومحدودي الدخل، وضرورة ربط الأجور بالأسعار لتحقيق العدالة الاجتماعية مع ضرورة العمل علي مكافحة الفساد في كافة مناحي الدولة ومحاسبة كل من تورطوا في إهدار موارد مصر الاقتصادية وباعوا أراضيها بأبخس الأسعار، لذلك لابد من إعادة تسعير هذه الأراضي وتوجيه فارق السعر لمشروعات تنموية لزيادة الإنتاج وبذلك يزيد الدخل القومي بعيدا عن الاقتراب من الأسعار التي تؤثر أولا وأخيرا في محدودي الدخل. سيناريو 77 وتلتقط الدكتورة ابتهال يوسف استشاري التنمية البشرية أطراف الحديث، مشيرة الي أن المشاكل التي تواجهها الحكومة كثيرة لذلك فهي تلجأ لرفع الأسعار وتحميل جزء من الأعباء للمواطنين ولكن الفقراء والمهمشين لن يتحملوا ذلك كثيرا وأي زيادة في الأسعار قد تشعل الأوضاع ويتكرر مرة أخري سيناريو 1977 حينما ثار الشعب بسبب عدم قدرته علي تحمل الارتفاع الرهيب في الأسعار، وأضاف رغم أننا نعلم أن الحكومة مقيدة بأغلال الديون وأعبائها بالإضافة الي مطالب المواطنين والمصرفات التي تزيد من عام لآخر إلا أن هذا يجب ألا يتحمله الفقراء من أبناء الشعب بل لابد من تطبيق ضرائب أرباح البورصة، والضرائب التصاعدية مع ضرورة العمل علي تحصيل الضرائب المتأخرة علي رجال الأعمال وتوجيه كل هذا للمشروعات التنموية التي تساعد في خلق فرص عمل وتشغيل الشباب وزيادة الإنتاج. ويشير رزق أحمد رزق نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية المصرية للمالية العامة والضرائب الي ضرورة غربلة قوانين الضرائب أو إعادة النظر فيها خاصة أن هناك قوانين مثل قانون ضريبة الدخل مطعون بعدم دستورية 32 مادة به، كذلك لابد من إعادة النظر في قانون الجمارك رقم 66 لسنة 62 الذي أنشئ إبان القرارات الاشتراكية ولا يصلح لهذه المرحلة كما أن معظم قوانين الضرائب تساعد علي التهرب الضريبي وبنود التعريفة الضريبية به غامضة ومن ثم تضيع علي الدولة مبالغ كبيرة فالحل ليس في زيادة الضرائب كما يعتقد البعض ولكن في إصلاح النظام الضريبي وإعادة النظر في القوانين المطعون عليها لأن هذا الإجراء سيؤدي الي زيادة قيمة الضرائب المحصلة لصالح الدولة، وبالتالي سيزيد الدخل بما لا يجعل الحكومة مضطرة لرفع الأسعار علي المواطنين البسطاء. إجراء اضطراري بينما يري الدكتور عبدالرحمن يسري أستاذ الاقتصاد بجامعة الاسكندرية أن لجوء الحكومة لرفع الأسعار هو إجراء اضطراري ولكنه إجراء غير سليم، لأن ارتفاع الأسعار بهذا الشكل حتي لو صاحبه ارتفاع في الأجور سيؤدي الي زيادة نسبة التضخم وبالتالي لن يشعر المواطنون بتحسن في أحوالهم ومع زيادة سوء حالة المواطنين يصبح سيناريو يناير 1977 قابل للتكرار وبالتالي فعلي الحكومة اتباع إجراءات أكثر مراعاة لطبيعة الشعب المصري الذي تصل نسبة الفقراء فيه الي النصف تقريبا، لذلك لابد من الاتجاه لزيادة الإنتاج من أجل التصدير للخارج وبالتالي توفير عملة صعبة، وتشجيع السياحة والعمل علي كشف المزيد من آبار البترول وربط زيادة الأجور بالإنتاج لأن زيادة الأجور دون إنتاجها سيقابلها زيادة في أسعار السلع والخدمات وبالتالي ستزداد معاناة المصريين مع ضرورة منع استيراد السلع الترفيهية تماما وتوجيه العملات التي تنفق عليها لشراء معدات إنتاج لتشغيل المصانع لخلق فرص عمل.