شاءت الأقدار أن يرحل السادات، ويتولى نائبه محمد حسني مبارك زمام الأمور في بلد يراه العالم رمانة الميزان في الشرق الأوسط، وهو الرجل الذي لم يسبق له أن مارس السياسة قط، أو اتخذ موقفاً سياسياً حيال أية قضية صغرت أو كبرت، أو امتلك رؤية أو هدفاً سعى لتحقيقهما، على غرار عبدالناصر والسادات اللذين كانا قد وصلا إلى سدة الحكم وفي رأس كل منهما مشروعه الخاص الذي استمات في تحقيقه والدفاع عنه. فعبدالناصر رغم أخطائه الكبيرة، كان اشتراكياً بطبعه، منحازاً للطبقة الكادحة ومتمسكاً بتحقيق العدالة الاجتماعية إلى أبعد مدى، ومؤمناً بالقومية العربية كخيار وحيد يمكن من خلاله مواجهة تسلط وهيمنة الإمبريالية الغربية على مقدرات شعوب المنطقة. أما الرئيس السادات فقد أخذ على عاتقه تجاوز هزيمة يونيو وتوجيه ضربة عسكرية لإسرائيل، تسمح له بالتفاوض من منطلق القوة لاسترداد الأرض مقابل السلام، وهو ما استطاع تحقيقه – من وجهة نظره – بتوقيعه معاهدة «كامب ديفيد» عام 1979 والتي نجح بموجبها في بسط السيادة المصرية على كامل أرض سيناء. وبالنسبة لمبارك لم يُعرَف عنه أبداً أنه كان مشغولاً بالسياسة أو حتى فكر في ممارستها فمنذ صباه كان طالباً عادياً منعزلاً بطبيعته لا يشارك أصدقاءه الأنشطة ولا يقحم نفسه في مشكلاتهم، وبالتالي لم يكن له أصدقاء ولا أعداء وبعد دخوله المدرسة العسكرية وبرغم معاصرته أحداثاً مهمة كالحرب العالمية الثانية وحالة الغليان في الجيش المصري ضد الملك فاروق بسبب نكبة فلسطين عام 1948، وبرغم مشاركته في حرب السويس وحرب اليمن وحرب يونيو 1967 وحرب أكتوبر 1973، فإنه كان شديد الحرص على أن يبقى بعيداً عن مناخ القلق السياسي الملتهب دائماً، كان حريصاً على أن يظهر أمام قياداته مطيعاً للأوامر خوفاً من المخاطر التي قد تؤثر سلباً على علاقاته بقياداته وعلاقات قياداته به، لذلك لم يكن غريباً ألا يحاول الانضمام إلى تنظيم الضباط الأحرار أثناء الإعداد للانقلاب على الملك فاروق في 23 يوليو عام 1952، ولم يكن غريباً كذلك أن يتجنب الضباط الأحرار إشراكه معهم واعتباره واحداً من أعضاء مجلس قيادة الثورة، وأغلب الظن أيضاً أن تعيينه كنائب للرئيس السادات خلفاً لحسين الشافعي جاء نتيجة ظروف تعلقت بحسابات السادات نفسه وحرصه على أن يكون إلى جواره شخصية تستمد قراراتها منه وتلتزم بأداء ما يعهد إليها به من مسئوليات وقرارات، وقد أكد محمد حسنين هيكل على هذه الحقيقة في حكايته لظروف اختيار مبارك نائباً للسادات، قال هيكل في كتابه مبارك وزمانه: أثناء وجودي ضيفاً على الرئيس السادات في استراحة القناطر أخبرني برغبته في أن يختار نائباً له، وعندما سألته عن اسمه بالتحديد أجابني بقوله: بصراحة لا بد من التغيير، فالحاج حسين الشافعي لم يعد يصلح نائباً لي، فهو من جيل ثورة يوليو وأعتقد أنه قد آن الأوان أن يتخلى هذا الجيل عن مكانه حرصاً على تجديد الدم وإفساح المجال أمام جيل أكتوبر ولا بد أن أختار نائبي من هذا الجيل الصاعد قلت للسادات: هذا حق، لكن من تراه من أبناء هذا الجيل يصلح أن يكون نائبا لك؟ رد السادات: في جيل أكتوبر 5 قيادات مهمة أولها أحمد إسماعيل علي، وقد توفاه الله والآن أمامي الجمسي – وكان قائد عملية حرب أكتوبر ثم أصبح وزيراً للحربية بعد رحيل المشير أحمد إسماعيل علي – لكنه فلاح في تعاملاته ولا أظنه مناسباً لأن يكون نائباً للرئيس بقي أمامي محمد علي فهمي قائد الدفاع الجوي وفؤاد ذكري قائد القوات البحرية ومحمد حسني مبارك قائد سلاح الطيران، وهو في تقديري أصلح هؤلاء لهذا المنصب في تلك المرحلة ويكفي أنه لا تربطه علاقات بالناصريين ولا بالشيوعيين ولا بمراكز القوى ولا بالفريق الشاذلي ويكفي أنه سيكون أحرص الناس على أداء الواجبات المكلف بها على أحسن وجه والأهم من ذلك كله أنه ملهوش في السياسة. ويبدو أن مبارك نفسه لم يكن يريد أن يكون له في السياسة ليس كراهية فيها وإنما خوفاً من الأجواء المحيطة والاشخاص التي قد يُجبَر مبارك على التعامل معها وتتكشف هذه الحقيقة من رواية الأستاذ صلاح منتصر نفسه في كتابه «صعود وهبوط» حيث قال: «عندما استدعى السادات مبارك عام 1975 وأبلغه بقرار تعيينه كنائب للرئيس لم يعترض مبارك، لكنه كذلك شعر بالهم، وهمس لأحد المقربين منه إنه يخشى على نفسه تلك المهمة وقال: أروح فين من سيد مرعي وممدوح سالم وعثمان أحمد عثمان وأشرف مروان، وكل من يستند لعلاقة قرابة مع الرئيس السادات؟، دول هيحطوني تحت أسنانهم وهيقرقشوني لكن الظروف تأبى إلا أن تمهد لمبارك الطريق ويخلو له الجو كي يصل إلى كرسي الرئاسة، فعثمان أحمد عثمان خرج من الوزارة عام 1976، ولم يعد له أي دور تنفيذي بعد ذلك ثم تبعه ممدوح سالم والذي ترك منصبه كرئيس للوزراء إلى الدكتور مصطفى خليل وكذلك جاء صوفي أبوطالب رئيساً لمجلس الشعب بدلاً من سيد مرعي، أما أشرف مروان فقد ترك عمله كرئيس للهيئة العربية للتصنيع عام 1979 وتفرغ لأعماله الخاصة. ربما كانت العقبة الوحيدة أمام وصول مبارك للحكم هي الأستاذ منصور حسن النجم الصاعد في ذلك الوقت الذي احتضنه السادات لذكائه وفكره المفعم بالتجديد ولشجاعته في إبداء الرأي لهذا عينه وزيراً للدولة في حكومة دكتور مصطفى خليل في عام 1979 ثم وزيراً للثقافة والإعلام، وعندما أجرى السادات تعديلاً رأس فيه الوزارة بنفسه في يناير عام 1981، أضاف إلى منصور حسن وزارة شئون رئاسة الجمهورية ليكون بذلك الاسم المطروح بقوة لكي يكون خليفة السادات القادم حسبما جاء بمجلة الحوادث اللبنانية في 13 يوليو 1981 أشهر المجلات اللبنانية في ذلك الوقت، لكن القدر كان أسبق وقال كلمته ورحل السادات على يد الجماعات الإسلامية التي كان السبب الرئيسي في إعادتها للوجود عام 1971.