في محيط إقليمي مضطرب، وداخل تتنازعه أزمات وآلام موجعة، ولا تغيب عنه أيضاً الآمال العريضة في مستقبل أفضل، باتت صفحات التجربة المصرية ترقب بحذر، إلي أي جهة تقودنا خطانا ونحن بصدد خوض غمار صراع سياسي يتمحور حول تشكيل برلمان جديد، يمثل الخطوة الثالثة والأخيرة من خارطة المستقبل. فمرحلة فارقة من عمر الوطن نحن بالقطع علي أعتابها، إن لم نكن بالفعل قد تجاوزنا خطوطها الفاصلة بين الآلام والآمال؛ فإما نحن إلي الخلف، نجتر آلامنا بينما نسير إلي حيث ألقت بنا حفنة من الأنظمة المستبدة، وإما إلي برلمان ثوري يضيف إلي رصيد مشروعية الآمال المتصاعدة نحو تنمية مجتمعية شاملة، ينتقل الوطن بموجبها إلي موقعه المستحق بفضل ما نحققه من إنجاز حقيقي، دون الاكتفاء بما توفره لنا الأدبيات السياسية المتوارثة والمتعلقة بالماضي العريق، أكثر مما تتيحه جهودنا الحاضرة. فليس من شك أن مناطق عدة في المشهد الداخلي يشوبها الكثير من الضبابية؛ وتظللها موجات من السُحب حاجبة الكثير من الرؤى المستقبلية الواجبة ونحن علي طريق بلورة صيغة مجتمعية جديدة، تتخذ من جوهر الثورة المصرية دليلاً هادياً وسط ما يموج به حاضرنا من تحديات. ولعل يقيناً راسخاً بحتمية نجاح الإرادة الشعبية الحرة الحقيقية في بلوغ أهدافها، بات أمراً لا بديل عنه إزاء تصاعد الروح المعنوية لأعداء الثورة، بفضل ما تحقق من نجاح لمساع شتى بُذلت من جانبهم لتهيئة المشهد للعودة بهم؛ ومن ثم بالأوضاع إلي ما قبل الثورة، مع ما يمثله ذلك من إخفاق للقوى الثورية الحقيقية في تجسيد آمال الثورة بفعل عوامل عدة، ما بين قلة الخبرة السياسية، أو رغبة متسارعة، علي غير سند من واقع، في حيازة ما يفوق قدرة البعض علي امتلاك متطلباته من العمل الوطني. والواقع أن تجربة التحول الديمقراطي التي يشهدها الوطن، لا يمكن تقييمها علي نحو دقيق، بعيداً عن سياقها الإقليمي نظراً للتشابكات العديدة التي باتت تربط الداخل بالخارج، خاصة مع غياب المفهوم المتكامل «للدولة» عن كثير من مفردات الأسرة الإقليمية، ما ألقي بالعديد من المسئوليات والمحاذير علي عاتق صانع القرار؛ ومن ثم لا يمكن قراءة المشهد الداخلي دون رصد وتحليل دقيق لأطر الصراع الدولي الدائر داخل محيطنا القريب والبعيد علي السواء. غير أن تمسكاً بصحيح الممارسة الديمقراطية، نحن أحوج إليه من ردة سياسية إلي مفاهيم لطالما رسخت أقدام أنظمة فاسدة، وأضفت عليها قدراً متزايداً لا تستحقه، ما هيأ لها موقعاً زائفاً لا يتسق وقدراتها وما تحقق في عهدها من ويلات ما زال الوطن يعاني في سبيل تفادي تبعاتها وتداعياتها. في هذا الإطار تبدو القوى الثورية المخلصة، وقد تعاظمت عليها المسئوليات في سبيل النهوض بمجابهة حقيقية وجادة لمحاولات أعداء الثورة؛ ومن ثم عدم إتاحة ممرات آمنة أمامهم للعودة بالوطن إلي ما قبل الثورة، مع ما يحمله ذلك من تداع لمفهوم الثورة في الضمير الوطني؛ وليس يدعو إلي ذلك الأمل إلا الابتعاد عن تفعيل أدوات مملوكة لأعداء الثورة أكثر مما هي متاحة لأبنائها من حملة مشاعلها. فليس المال السياسي إلا أداة لطالما نجحت في تزييف إرادة الشعب، وتضليل الرأي العام؛ ومن ثم استباحت الأنظمة الفاسدة بموجبها العبور إلي أطماعها فوق آلام الناس وأوجاعهم وعليه ... فإن كل إعلاء لشأن المال السياسي بالقطع يشير بصدق إلي عودة مرتقبة لأعداء الثورة، وليس أبلغ للتدليل علي نجاح أعداء الثورة من نجاحهم في «جر» أبنائها إلي ذات أدواتهم، وفرض المال السياسي «لغة» حاكمة للصراع البرلماني، تستند إلي ما يمتلكونه من «أرصدة» باتت تشكل مفردات الخطاب «الانتخابي»، بينما التجربة المصرية ترقب بحذر خطى أبنائها... بين الآلام والآمال!.