تحدثت كثيراً عن عمليات إرهاب فكرية منذ تعلمت الكتابة، لكن أن أتعرض لإرهاب فكرى حقيقى فهذه تعد المرة الأولى .. الإرهاب الفكرى أشد وطأة وخطراً من كل عمليات الإرهاب المختلفة .. مساء يوم الثلاثاء الماضى استضافت جريدة «الوفد» المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات فى ندوة حضرها عدد من الزملاء الصحفيين وتم خلالها مناقشة العديد من القضايا كان أبرزها دور هذا الجهاز الرقابى الكبير فى كشف الفساد وأهمية اقتلاعه فى ظل بناء الدولة الحديثة التى ينشدها المصريون .. وكما قلت بالأمس لن أتحدث عن تفاصيل الندوة ومناقشة ما تم تناوله من قضايا مهمة قبل أن يتم نشر تفاصيلها بالصحيفة بعد غد الاثنين إن شاء الله . قمنا فى «الوفد» بنشر خبر ورد ضمن تفاصيل الندوة بعدد الخميس الماضى نظراً لأهميته واحتل صدارة الصفحة الأولى، مفاده أن رئيس جهاز المحاسبات قدم مذكرة إلى المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء لاستصدار مرسوم بقانون يقضى بإخضاع الصناديق الخاصة إلى رقابة الجهاز ، والتى لا حصر لها والتى تضم أمولاً ضخمة توازى ميزانية الدولة وبعضها ممول من الميزانية. ولأن كارثة الصناديق الخاصة باتت تعد مرتعاً للفساد كان لا بد أن نصف خطوة «جنينة» بأنها أكثر من رائعة لوقف مهازل هذه الصناديق باستثناء ما يتعلق بها من تقديم خدمات طبية واجتماعية . الإرهاب الفكرى الذى تعرضت له أننى تلقيت اتصالاً تيلفونياً من أحد الأشخاص قال إنه بدرجة وكيل وزارة أو مدير عام بجهاز المحاسبات ، كان ثائراً جداً وحاد الأعصاب قائلاً : «من سمح لكم باستضافة رئيس الجهاز؟! ولماذا تعقدون معه ندوة ؟! .. وما هذه التخاريف التى نشرتها الجريدة ؟! .. لم يعط الرجل لى فرصة لمناقشته لارتفاع صوته وثورته العارمة لمجرد أننا فى «الوفد» نشرنا خبراً على لسان رئيس الجهاز بطلبه استصدار مرسوم بقانون لضم الصناديق الخاصة إلى الرقابة فى محاولة لوقف الفساد البشع فيها . هذا الاتصال التليفونى أصابنى بدهشة عارمة لمجرد نشر خبر ولم ننشر بعد تفاصيل الندوة التى استمرت ما يقارب من ثلاث ساعات ، وتناولنا فيها قضايا فساد كثيرة يجب أن تزول ونحن نؤسس للدولة العصرية الحديثة ، وأهم خطوات تأسيسها هو اقتلاع جذور الفساد وضرب بؤره ، ووقف مرتكبيه عند حدودهم وإعمال وإنفاذ القانون فيهم . الذى فهمته من هذا الاتصال أن هناك جماعات إرهاب فكري أشد خطراً من الإرهاب العينى المعروف ، والذى لا يعرفه هذا الرجل أننا فى الوفد حزباً وصحيفة لا تحركنا إلا المصلحة الوطنية لرفعة الوطن والوقوف إلى جوار المواطن ونصرته .. نسيت أن أقول أن هذا الرجل أرسل لى رسالتي تهديد على هاتفى المحمول ، وهو لا يعرف أننى وزملائى الصحفيين لا ترهبنا هذه الوسائل الدنيئة ولا تؤثر فينا قيد أنملة مثل هذه التخاريف من التهديدات . جريدة «الوفد» لسان الحزب الذى يؤمن منذ نشأته بضرورة الحرب على الفساد والمفسدين لن يضيره تهديد أو وعيد من دعاة بقاء الحال كما هو .. مصر تتغير والفساد وأصحابه إلى زوال .. ويكفينا أن لدينا الآن قيادة سياسية رشيدة تؤمن بضرورة تخليص مصر من الإرهاب بكل أنواعه المختلفة ، والقضاء على الفساد وإعمال القانون والدستور وإنفاذهما على الجميع .. السؤال الذى يحيرنى: بأى صفة يقول هذا الشخص المريب من تستضيف جريدة «الوفد»؟! أما السؤال الآخر: لمصلحة من يتم هذا الإرهاب الفكرى ؟! .. لقد تعودنا فى جريدة «الوفد» منذ نعومة أظافرنا على مثل هذه الأمور ولم تنفع أساليب هؤلاء الشياطين معنا ، لن يثنينا أحد عن أداء رسالتنا فى ضرب الفساد وأهله حتى لو كلفنا هذا حياتنا ، فهذه هى رسالة «الوفد» الصحفية منذ صدور الجريدة من ثلاثين عاماً.