تتقاطع السيناريوهات كما تتقاطع الطرق فى ليبيا الا أنها مهما مرت على طرق العراق وافغانستان فانه ومع دخول ليبيا مرحلة الفوضى وسط مؤشرات تؤكد أن اخطر السيناريوهات على الأرض هناك هو النموذج الصومالى وسط انتشار مجموعات مسلحة على ارضها مهما اختلفت مسماياتها فهى تصب فى مجرى واحد هو مجري العنف الدموى وحالة الانفلات الامنى المتصاعد فى ظل ضعف كامل لمؤسسات الدولة. كانت صحيفة نيوزويك الأمريكية قد كشفت عن خطة بشأن تقسيم خمس دول عربية الى اربعة عشر كياناً اجتماعياً ضعيفاً، وهو مشروع استعمارى جديد، عنوانه الفوضى الخلاقة وانتاج لمشروع استعمارى سايكس - بيكو جديد يقسم المنطقة العربية على اساس الثروات ويدخلها فى حروب طاحنة مذهبية وطائفية. ويجرى الآن تنفيذ مشروع بيكر - هاملتون وتشارك فيه ادوات عربية وإقليمية،الصومال تحولت منذ زمن الى دولة فاشلة تتحكم فيها العصابات والتى تمول نفسها من تجارة وتهريب السلاح والمخدرات، وكذلك فهى تقوم باختطاف السفن والمطالبة بالفدية لكى تمول عملياتها، والسودان جرى تقسيمها وتستمر عملية تشظيتها وتدميرها، وكذلك اليمن، ومن قبلها أفغانستانوالعراق،وسوريا وليبيا وسط استهداف منظم لمصر التى تحاول عبور الأزمة الأخطر فى تاريخها من حرب أكتوبر 1973. إن تحول الثورة على العقيد الراحل معمر القذافى فى 17 فبرابر 2011 وتدخل قوات الناتو وأطراف دولية متعددة جعل من ليبيا مسرحا للعمليات العسكرية المختلفة. وأعادها إلى وضع أسوأ من «عهد ما قبل الدولة»، وكانت ليبيا مقسمة إلى ثلاث مناطق وحدها الاستعمار الإيطالى فى 1911. وكل من هذه المناطق التاريخية قابل للتفتت وفق مصالح الميليشيات المسلحة. ان صوملة ليبيا تهدّد كلّ المنطقة المحيطة بها، وتؤثر فى مصر وتونس والجزائر من جهة، وافريقيا الصحراوية من جهة أخرى، والأمر سيصل إلى أوروبا بسبب الجوار الجغرافي. وتمثل إعانة ليبيا على الخروج من الوضع الحالي، ضرورة قصوى، وسط واقع صعب من وجود جهة قادرة على ذلك. فالقوى الغربية التى تعاملت مع ليبيا على أنها حقل بترول ضخم ستنفض أيديها من متابعة الأوضاع الداخلية باستثناء ما يتعلق بضمان انسياب النفط والغاز، واندلاع الأزمة مع روسيا سيعمّق هذا التوجّه. ولم تكن أزمة القرم خبراً سيئاً للأوكرانيين فحسب، بل هى كذلك خبر سيئ لدول الثورات العربية ومصير الانتقال الديمقراطى فيها، وعلى رأسها ليبيا. وما يجرى على الأرض يكشف بوضوح عدم قدرة الدولة الليبية على مواجهة تلك المجموعات المتطرفة، بالإضافة الى فقر طرابلس لآليات تمكنها من مواجهة تلك التحديات، ما يستدعى دعما دوليا لتمكين الدولة الليبية من تسيير المؤسسات. وكشف انهيار دولة القذافي، بعد قرن من توحيدها بقرار المستعمر الإيطالي، افتقاد المعارضة قدرة البناء ومحدودية الدور الذى اضطلعت به الأممالمتحدة حيث انسحبت بعد دورة الانتخابات الأولى التى فازت فيها جماعات الإسلام السياسى والمجموعات الليبية المقاتلة التى حرمت قدرات ليبيا من البناء، من خلال قوانين الإقصاء. وتجد ليبيا نفسها اليوم فريسة مجموعات تتفاوت فى درجات تشددها العقائدى وتتقاتل من أجل السيطرة على الموارد المالية ومخازن السلاح وحقول النفط والمعابر. وكشف دبلوماسى ليبي، عمل لسنوات فى عهد العقيد القذافي، عن أن «حكام ليبيا الحقيقيين هم خليط من الجماعات الليبية المقاتلة وأنصار الشريعة و«الإخوان المسلمين» و«القاعدة»، وأن حكومة السيد على زيدان ومن خلفه لا تمتلك فى الحقيقة أية سلطة، بل إن كل الذين توالوا على رئاسة الحكومة خضعوا لابتزاز الجماعات المسلحة والقبائل». وقد يصف البعض الاستنتاج بالمفرط أو بحنين الدبلوماسى لحكم العقيد القذافى الذى «حافظ أقله على كيان ليبيا الموحد». ويقول الدبلوماسى الليبى إن هناك 13 أو 14 مسئولاً فى مستوى وكيل وزارة ينتمون إلى جماعات «الإخوان» والمجموعات المقاتلة التى انصهر بعضها فى حزب «الوطن» الذى أسسه المقاتل السابق فى أفغانستان عبدالحكيم بلحاج «حتى ان الوزارات تشترى الأمن من خلال دفع مبالغ هائلة من الأموال للميليشيات فى مقابل حمايتها ضد هجومات خصومها». وبهذا اقتسمت المجموعات المسلحة النفوذ وسيطرت على ما تبقى من هياكل إدارية فى البلاد. وبلغ الصراع أشده، بين الميليشيات المسلحة، وكل منها يستند إلى قبيلة أو فصيل «إخواني» أو دينى متشدد، فيما يشبه معركة كسر عظم من أجل السيطرة على مطار طرابلس الدولى الذى يمثل أحد المعابر الرئيسية ونقطة التواصل مع الخارج. ووسط تمدد المجموعات المسلحة نجد غياباً تاماً لجيش والشرطة وأي جهاز استخباراتى فاعل، مما يستدعى الوضع الأمنى فى ليبيا تدخلا سريعا وحاسما فهو ليس مسئولية ليبية فقط بل مسئولية إقليمية ودولية. خاصة فى ظل تواتر المعلومات باحتمال تدفق المقاتلين من سورياوالعراق على ليبيا فى إطار الرسالة التضامنية بين الجماعات المقاتلة. وقال إن المجموعات المقاتلة فى شرق ليبيا بالدرجة الأولى إذا كانت فى خطر فإن الجماعات المنتشرة فى العراقوسوريا حتما ستتضامن معها. ولعل ما يصف خطورة الوضع تصريحات وزير الخارجية الليبى «محمد عبدالعزيز» الأخيرة عن أن طرابلس ستطلب من الولاياتالمتحدة دعما عاجلا يشمل التعامل مع التطورات الليبية بجدية قبل أن تتحول بلاده إلى دولة فاشلة.كما أن مسارعة البرلمان الليبيى لانتخاب رئيسه فى محاولة للسيطرة على الوضع السياسى المنفلت والمتصاعد بشكل دموي.