كل سنة وأنت طيب، عيد سعيد عليك وعلى أسرتك، وعلى أولادك، اسمح لى أن أتكلم معك عن زيارة شغلتنى طوال رمضان، بعد أن قمت بأدائها، فى بدايات الشهر الكريم، قمت بزيارة طفلة صغيرة، قريبة لى، خلال علاجها بمستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال، ومنذ وطئت قدماى باب المستشفى، وأنا أتساءل: هل هذا المستشفى فعلاً موجود فى مصر التى نتهمها كل يوم بأنها غير قادرة على النهوض؟.. النظام الذى قابلته فى زيارتى الأولى للمستشفى، جعلنى أشعر بأن هذا الوطن مظلوم، لأننا نتهمه بما ليس فيه، نحن فقط الذين نصنع الفوضى، ونحن فقط الذين نرسخ الإهمال نموذجاً، ونحن فقط الذين نأخذ بيد الظلم الاجتماعى لنجعله سيداً علينا، ولكننا أيضاً نستطيع أن نخطو خطوات مؤكدة وواثقة نحو النجاح إذا أخلصنا العمل إرضاء لله والضمير والوطن! بالمناسبة الطفلة الصغيرة تدخل للعلاج فى المستشفى بدون واسطة أو محسوبية لأن هذا القانون غير موجود على قطعة مهمة من أرض مصر، واسطتك الوحيدة هى حاجتك للعلاج، وسوف تحصل على دورك لطفلك، حتى لو كنت من كبار المتبرعين لصالح المستشفى. عندما تدخل من باب المستشفى فأنت فى عالم آخر، أمن مدرب ومؤدب يحيلك إلى باب العبور إلى الاستقبال، وقبل وصولك إلى السكرتارية، ستجد مطهر يجب أن تغسل يديك فيه، حتى لا تؤذى من سوف تزوره، وبعدها تستطيع الدخول للزيارة، لوقت محدد، وبعدد معين، وتصعد إلى الدور المطلوب لتجد نفسك فى صرح حقيقى.. المستشفى بأكمله مكيف مركزياً وممنوع عبور ذرة غبار واحدة، الأرضيات جميعها من الرخام، النظافة هى عنوان المكان، وداخل الحجرات نموذج حقيقى للمستشفى المتطور من حيث الأجهزة، ومن حيث الطاقم الطبى، وصولاً لطاقم التمريض. قلت لك إن هذه هى زيارتى الأولى للمستشفى، رغم أننى قابلت فريق العمل القائم على بناء المستشفى عام 2002 فى دبى، وكنت أعمل وقتها صحفياً فى جريدة أخبار العرب الإماراتية التى تصدر فى أبوظبى، وكنت أقوم بتغطية وصول فريق دعائى يستهدف جمع التبرعات لصالح المستشفى، ووقتها كان القائمون على المشروع يعتمدون على عدد من الفنانين والشخصيات العامة للترويج للمشروع الإنسانى الكبير، وأذكر من بينهم ليلى علوى ويسرا وإلهام شاهين ومحمود عبدالعزيز ومحمد فؤاد وطارق علام.. بصراحة لم أصدق وقتها أن هذا المشروع يمكن أن يكتمل، أو أن يحقق هذه الدرجة من النجاح المبهر، وقلت لنفسى الموضوع صعب، لأن القائمين على المشروع من الأطباء تكلموا فى نموذج يتكلف ملايين الدولارات، فكيف يمكن تنفيذه اعتماداً على التبرعات، وقلت وقتها لعدد من زملائى الصحفيين المصريين: هذا المشروع يتطلب تدخل الدولة، والدولة الآن مشغولة بمشروع آخر هو «التوريث» ولن يتمكن هؤلاء الأطباء والمتحمسون للمشروع من تنفيذه بسهولة!.. لكن الحمد لله، فقد خيب رب العالمين تقديرى وتصورى لإمكانية تنفيذ المستشفى الذى ولد عملاقاً وظل كذلك لسنوات طويلة من حيث حجم الإنفاق، قصيرة بحساب الزمن. لا أستطيع إلا أن أوجه التحية لكل من ساهم فى هذا المشروع الإنسانى الكبير..هذه شهادة حق لا أستطيع أن أكتمها.. ويجب أن ندرس نموذج تنفيذ هذا الصرح حتى ندرك أننا نستطيع أن نفعل المستحيل.. فقط بقليل من الثقة وكثير من الإيمان بقدراتنا. هوامش قصة المستشفى كما هو مكتوب عنه فى موقع «ويكيبيديا» تستحق القراءة: بدأت فكرة المستشفى عندما توفي 13 طفلًا من أصل 15 في يوم واحد في معهد الأورام نتيجة عجز الإمكانيات، فذهب الطبيب شريف أبوالنجا للشيخ الشعراوي وقص عليه قصة الأطفال فقال له الشيخ: سأعطيك مائة وخمسين جنيهاً مدى الحياة وسيلتزم بها أولادي بعد مماتي للإنفاق على الأطفال المرضى.. وبدت فكرة التبرع للطبيب أنها الأنسب من الاعتماد على الدولة، وتطورت الفكرة لإنشاء جمعية أصدقاء معهد الأورام لتخفيف الأعباء المادية عن المعهد بمشاركة المهندس حسام قباني والأستاذ محمد محب وسمية أبوالعينين وعلا غبور وسهير فرغلي وفكرية عبدالحميد، حتى زاد عدد أعضائها اليوم إلى أكثر من 100 عضو من رجال وسيدات الأعمال والأطباء والشخصيات العامة والفنية والرياضية. تبنت الجمعية مشاريع صغيرة مثل مشروع تطوير عيادة الأطفال بالمعهد، ومشروع الصيدلة الإكلينيكية (أي السريرية) الذي يهتم بتحضير الدواء الذي يتطلب دقة عالية جداً على يد أطباء صيادلة باستخدام تقنيات حديثة من خلال معامل تتوفر لديها أجهزة قادرة على ضبط الجرعات وحفظها في مخازن خاصة للأدوية، ومشروع كفالة السرير حيث يقوم المتبرع بالتكفل بنفقات إقامة أي طفل مريض يرقد على سرير داخل المستشفى، ومشروع معمل الجينات، ومعمل التبرع بالصفائح الدموية، ودار الضيافة، وبرنامج التبرع بالدم الذي يقوم بحملات تبرع بالدم في الجامعات والمؤسسات والشركات لصالح مرضى السرطان بالمعهد القومي للأورام. وأهم فكرة للجمعية كانت بناء أول مستشفى عالمي لعلاج أورام الأطفال في مصر. كل سنة وأنت طيب وبصحة وسعادة.. ومصر بخير وأهلها فى سلام.