يقصد بشرعية النظام السياسي درجة الرضاء والتقبل من جانب المواطنين عن سياسات النظام وبرامجه ونخبته، فكلما تزايدت درجة الرضاء على هذه المستويات تزايدت بالضرورة شرعية النظام، والعكس صحيح فكلما تراجعت درجة الرضاء عن النظام وسياساته ونخبته تراجعت بالضرورة درجة شرعية النظام، وتظهر خطورة الفساد فيما يحدثه من تراجع في درجة الرضاء عن السياسات والبرامج المطبقة التي تحقق المنفعة للقلة على حساب الكثرة من المواطنين وبطرق غير قانونية وغير عادلة، وتزداد خطورة الوضع إذا كان الفساد يعكس سياسة ممنهجة أو متعمدة من جانب النظام السياسي بهدف إيجاد قطاعات وشرائح اجتماعية مرتبطة بالنظام ومؤيدة له على حساب الأغلبية ويعكس ذلك بالضرورة تراجع في شرعية النظام السياسي والتأثير السلبي على استقراره السياسي والاجتماعي، وتحتاج مصر بعد ثورتين إلى اتخاذ إجراءات سريعة وحاسمة لمواجهة الفساد الذي استشرى وتغلغل في عقود سابقة في قطاعات ومؤسسات مختلفة وهو ما يحتاج إلى تكاتف وتضافر الجهود لمواجهة الفساد والتخلص من آثاره السلبية على الوطن والمواطن، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية: أولاً: إن الفساد لا يرتبط بالضرورة بنظام سياسي معين أو بشكل معين من أشكال الحكم، أو بدرجة معينة من درجات النمو والتقدم بل يمكن أن يتواجد الفساد في أي نظام حكم (برلماني - رئاسي – ملكي – جمهوري) كما يمكن أن يتواجد الفساد في نظم حققت درجة مرتفعة من النمو أو دول متقدمة أو دول تسير في طريق التنمية، كما يمكن أن يتواجد أيضاً في نظم ديمقراطية أو نظم سلطوية، ولذلك فإن التفرقة بين نظام وآخر من زاوية الفساد لا تكون من حيث الوجود أو العدم لمظاهر الفساد، فهذه المظاهر يمكن أن تتواجد في أي نظام ولكن يظل الفارق بين النظم المتقدمة والنظم النامية في درجة الفساد ومدى انتشاره في القطاعات المختلفة، كما أن النظم الديمقراطية تملك من الأدوات والآليات ما يمكنها من مكافحة الفساد ومواجهته والقضاء عليه في حالة ظهوره وبالتالي يصبح الفساد في تلك الدول في حده الأدني ولا يمثل تهديدا لشرعية النظام السياسي. ثانياً: إن الفساد يظهر بأشكال مختلفة وعلى مستويات متعددة حيث يمكن أن يظهر الفساد على مستوى الجهاز الإداري للدولة أي فساد صغار الموظفين أو كبارهم، كما يمكن أن يظهر الفساد في إطار المؤسسات السياسية المختلفة، كما يمكن أن يظهر الفساد في أشكال أخرى كما حدث في مصر في إطار سياسة بيع مصانع القطاع العام وبأثمان متدنية مما أتاح فرصة الحصول على عمولات أو التربح من هذه الصفقات، كما كان التلاعب بأسعار الأسهم في البورصة وتسريب المعلومات إلى البعض لتحقيق أرباح طائلة مظهراً آخر من مظاهر الفساد، كذلك كان بيع مساحات شاسعة من أرض الدولة في مناطق متميزة وبأسعار متدنية للغاية (دولار واحد للمتر) باباً آخر من أبواب الفساد حيث كان يتم تقسيط هذا الثمن الزهيد، كما كان يتم تحقيق أرباح طائلة لذوي الحظوة والمقربين من خلال بيع مساحات كبيرة من هذه الأراضي بأثمان مرتفعة، كذلك فإن تغيير النشاط الذي على أساسه تتم عملية شراء أراضي الدولة مدخلاً آخر للفساد، ففي حالات متكررة كان يتم شراء الأراضي لغرض الاستصلاح الزراعي ثم يتم تحويل النشاط إلى المجال العقاري في شكل إنشاء منتجعات سكنية، كذلك كان تغيير أسعار العملة أو سعر الصرف للجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي وسيلة أخرى من وسائل التربح للبعض الذين تصل إليهم المعلومة مسبقاً وبطرق غير رسمية وسيلة أخرى من وسائل الفساد، وكانت جميع هذه الأساليب المعبرة عن الفساد بأشكاله المختلفة تؤدي إلى تزايد الاحتقان الشعبي وعدم الرضاء عن السياسات التي كانت تمارس مما يؤثر سلباً على مدى التأييد والتقبل لسياسات النظام ونخبته ويساعد على تراجع الشرعية مما يمكن النظر إليه باعتباره من المسببات المهمة للثورة التي شهدتها مصر خصوصاً أن الفساد يرتبط بالضرورة بالاستبداد، فمن الملاحظ أن أكثر الدول فساداً في العالم هي أكثرها استبداداً بحيث يبدو الأمر في كثير من الأحيان كما لو أن الفساد يحمي النظم المستبدة، كما أن النظام المستبد في الحكم يتيح الفرصة لظهور الفساد وانتشاره. ثالثاً: خطورة الفساد وأساليب المكافحة، حيث تتعدد أخطار الفساد وآثاره السلبية، فبالإضافة إلى ما يحدثه الفساد من تراجع في شرعية النظام على النحو السابق إيضاحه، فإن الفساد يحدث أيضاً ازدواجية في النظام السياسي وبحيث يكون هناك النظام الرسمي أو القانوني، بالإضافة إلى النظام غير الرسمي أو الواقعي المترتب على الفساد وما يحدثه من آثار توزيعية يستفيد منها البعض على حساب الأغلبية مما يؤدي إلى زيادة حدة التوترات السياسية والانقسامات الاجتماعية، كما يطرح الفساد آثاره السلبية على عملية التنمية لما يؤدي إليه من اقتطاع نسبة من الموارد التي كان يفترض أن توجه إلى عملية التنمية ووجهت إلى المتورطين في أعمال الفساد من خلال رشاوي وعمولات، وتزداد خطورة الأعمال الفاسدة نظراً لأن هذه النسبة المقتطعة لا توجه إلى الاستثمار في الداخل بل يتم تهريبها غالباً وبطرق غير مشروعة إلى حسابات كبار المسئولين السرية في الخارج على نحو ما شهدته مصر في عقود سابقة، ولذلك ففي اعتقادي أن إحدي المهام الرئيسية المطلوبة من المجلس النيابي القادم في مصر هي اتخاذ كافة الجهود والإجراءات وإصدار التشريعات اللازمة لمكافحة الفساد وتوحيد جهود الأجهزة الرقابية المختلفة وتفعيلها لمواجهة الفساد بنجاح وأن تكون هناك عقوبات رادعة ضد المتورطين في أعمال الفساد وتعاظم جهود المكافحة مما يؤدي إلى القضاء على الفساد في حالة ظهوره وربما يكون الاقتداء بتجارب بعض الدول في إيجاد مجلس قومي لمكافحة الفساد من الأمور المطلوبة في هذا الإطار وذلك نظراً لما يطرحه الفساد من آثار سلبية سواء من الجوانب السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية.