يقال في المثل الشعبي: ده مالهوش دية، والدية فى الشريعة هى المال الذي يدفعه الجاني فى حالات القتل وما دونه من إصابات، وهى كما يقال: جزاء يجمع بين العقوبة والغرامة، وقد قدرت قديما بالإبل، حيث يسدد الجاني مائة من الإبل فى حالة القتل، أو يسدد ألف مثقال من الذهب أو اثني عشر ألف درهم من الفضة أو مائتي بقرة أو ألفي شاة أو مائتي حلة، وتتفاوت الدية حسب العضو التالف، على سبيل المثال يدفع عشرة إبل فى إصبع اليد أو القدم، وتسقط الدية عند قتل المرتد أو الباغي أو الحربي، من هنا قيل مالهوش دية، حيث استخدمها العامة للتشجيع على قتل الباغي أو المعتدى أو المرتد أو العدو فى الحرب، وقد تسقط عن المجنون إذا قتل أحد المعصومين لأنه غير مسئول عن أفعاله، والدية تسدد للمجني عليه أو لأسرته في حالة وفاته. السؤال: إذا كانت الدية فى الشريعة الإسلامية هي مبلغ مالي تسدد فى حالة قتل آخر عن طريق العمد(بعد موافقة أهله) أو الخطأ، أو فى حالات الإصابة وإتلاف بعض الأعضاء، فهل للمسيحى دية؟، إذا قتل المسلم جاره المسيحي أو قطع له يده أو أصابعه أو أذنه، هل الشريعة الإسلامية ألزمته بتسديد دية؟، وهل ديته تتساوى مع دية المسلم؟. الفقهاء بداية صنفوا أهل الكتاب، منهم المحارب: وهو الذى يناصب الدولة أو الديانة العداء، والمعاهد: هو من أخذ عليه العهد من الكفار، والمستأمن: هو من دخل بلاد المسلمين بأمان ( كالتأشيرة الآن)، والذمي: هو من استوطن البلاد بالجزية(المواطن)، وتعصم دماؤه ويحرم الاعتداء عليه من هؤلاء الذمي والمعاهد والمستأمن. السؤال مازال قائما: ماذا لو قتل أحد المسلمين ذميا أو معاهدا أو مستأمنا؟، وماذا لو أصابه وأتلف أحد أعضائه؟، هل يدفع دية؟، وهل تتساوى دية الذمي والمعاهد والمستأمن مع المسلم؟، وما هى مقدارها؟. المتعارف عليه أن الدستور ساوى بين جميع المواطنين، ولم يميز بين مواطن وآخر بسبب العرق أو الديانة، الجميع سواسية والمخطئ يعاقب على قدر جريمته حسب نص القانون، هذا فى الدستور والقانون، أما لدى الفقهاء فقد اختلفوا حول دية غير المسلم، وجاء اختلافهم(الفقه الإسلامي وأدلته لوهبة الزحيلى) على آراء ثلاثة: قال الحنفية: (إن دية الذمي والمستأمن كدية المسلم، فلا يختلف قدر الدية بالإسلام والكفر، لتكافؤ الدماء، وعملاً بعموم قوله تعالى: {وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق، فدية مسلَّمة إلى أهله} [النساء:92/4] ولأنه عليه الصلاة والسلام «جعل دية كل ذي عهد في عهده ألف دينار». وقال المالكية والحنابلة: دية الكتابي (اليهودي والنصراني) المعاهد أو المستأمن نصف دية المسلم، ونساؤهم نصف ديات المسلمين، أي كنساء المسلمات، لقوله عليه الصلاة والسلام: «دية المعاهد نصف دية المسلم» أو «إن دية المعاهد نصف دية المسلم» أو «دية عقل الكافر نصف عقل المسلم» . وقال الشافعية: دية اليهودي والنصراني والمعاهد والمستأمن ثلث دية المسلم، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه صلّى الله عليه وسلم «فرض على كل مسلم قتل رجلاً من أهل الكتاب أربعة آلاف درهم» . وقضى بذلك عمر وعثمان رضي الله عنهما، ولأنه أقل ما أجمع عليه في المسألة. واتفق غير الحنفية على أن دية المجوسي والوثني المستأمن كعابد الشمس والقمر والزنديق ثمانمائة درهم، أي ثلثي عشر دية المسلم بتقدير الجمهور، وأن نساءهم نصف دياتهم، أي أربعمائة درهم، كما قال بعض الصحابة مثل عمر وعثمان وابن مسعود رضي الله عنهم، وبعض التابعين كسعيد بن المسيب وسليمان ابن يسار وعطاء وعكرمة والحسن وغيرهم. والمذهب المنصوص عند الشافعية: أن من لم يبلغه الإسلام: إن تمسك بدين لم يبدَّل، فتجب له دية أهل دينه، فإن كان كتابياً فدية كتابي، وإن كان مجوسياً فدية مجوسي، وقال الحنابلة والحنفية: لا يجوز قتل هذا الشخص إن وجد، حتى يدعى إلى الإسلام، فإن قتل قبل الدعوى من غير أن يعطى أماناً، فلا ضمان فيه؛ لأنه لا عهد له ولا إيمان.