«اللامساواة» تلك الكلمة المُرة التى ترجمت للظلم الاجتماعى فى مصر كانت موضوع دراسة تفصيلية قام بها 6 خبراء من البنك الدولى، وصدرت عنه مؤخرا فى كتاب متوسط القطع. الخبراء الستة هم باولا فيرمى، برانكو ميلانوفك، شيرين الشواربى، سحر الطويلة، مى جاد الله، وإيناس على وقد قدموا إلى مصر بعد ثورة يناير لدراسة أحد أسباب الثورة وهو «اللامساواة». خبراء البنك الدولى حاولوا حل لغز مثير يتعلق بوجود حديث دائم ومتكرر أن أحد أهم اسباب ثورة يناير تمثل فى «اللامساواة» بينما تشير المؤشرات الرسمية والارقام المعترف بها دوليا إلى ضعف ظاهرة «اللامساواة» فى مصر. لقد استخدمت كافة الصحف المصرية والعالمية مصطلح «عدم المساواة» كواحد من أسباب غضب الجماهير، ورفعت كافة الحركات والاحزاب شعارات العدالة الاجتماعية والمساواة فى برامجها ومؤتمراتها الأخيرة وكتب كثير من المفكرين والمتابعين للشأن المصرى أن اللامساواة هى المحرك الأول لثورة يناير. وكان من الغريب ما لاحظه الخبراء من أن مؤشرات ودلائل عدم المساواة فى مصر المعتمدة دوليا لا تؤكد وجود لامساواة كبيرة فى مصر، فمنذ 1996 وحتى 2020 حققت مصر معدل نمواً كبيراً تجاوز ال 5 % سنويا ووصل الى 7 % عامى 2005 و2006. كما أن معدل اللامساوة طبقا للمعامل الجينى ظل منخفضا مقارنة بباقى دول العالم ومقارنة بدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وذكرت الدراسة أن المعامل الجينى لعدم المساواة فى مصر يبلغ 34 % وهو أقل من معدل عدم المساواة فى الولاياتالمتحدة والذى يتجاوز ال 40% . كما أنه اقل كثيرا من كافة الدول المشابهة لمصر فى الظروف الاقتصادية مثل جورجيا، وجواتيمالا، والصين، ففى جواتيمالا يبلغ معدل اللامساواة 57 %، وفى جورجيا 39 %، وفى الصين 47 %. كذلك فإن حال مصر جيد مقارنة بالدول العربية التى يتراوح فيها معدل عدم المساواة ما بين 33 و40. وتابعت دراسة البنك الدولى أن البحوث التى أجريت عامي 2009 و2010 حول أفقر الف قرية مصرية كشفت أن معدل الفقر فى تلك القرى وصل الى 81.7 % لكن معدل اللامساواة لم يتجاوز 29.4%. وخلصت الدراسة إلى أن القضية لم تكن فى المساواة الاجتماعية بقدر ما كانت فى درجة الوعى وتطورها . لقد اكتشف المصريون (فى ظل الثورة التكنولوجية) أن 60 % منهم يعيشون على مستويات دخل توازى أفقر 1 % من الامريكيين، وحتى أولئك الذين لهم دخول مرتفعة فإنها تتساوى مع أبناء الطبقة تحت المتوسطة فى امريكا. واكتشفوا ايضا أن متوسط دخل المواطن فى أمريكا يصل إلى 25 الف دولار سنويا، بينما لا يزيد فى مصر على الفى دولار، ولو تم احتساب نصيب الفرد من الناتج الاجمالى لوجدنا الفارق شاسعا ففى مصر يبلغ 5 الاف دولار وفى الولاياتالمتحدة 43 الف دولار. ولاحظ معدو الدراسة أن هناك فجوة واضحة بين الريف والحضر فإن متوسط دخل الفرد فى الحضر أعلى 67 % منه فى الريف. وهنا فقد كان من الواضح أن الاغنياء يفضلون السكن بالحضر فإن 93 % من أغنى المصريين يعيشون فى المدن. وأوضحت الدراسة أنه رغم تراجع معدل اللامساواة فى مصر خلال الفترة من عام 2000 إلى عام 2008 فإن ذلك صاحبه نمو كبير فى درجة وعى الناس بالموضوعات الاقتصادية والاجتماعية ودورهم فى المجتمع. كما أن أولويات الناس تغيرت من الاهتمام بقضايا الحريات والبيئة إلى الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية واستقرار أسعار السلع خاصة سلع المواد الغذائية. فضلا عن تنامى شعور سكان المنازل ببؤس معيشتهم ،وكانت هناك فجوة كبيرة بين واقع الثروات والدخول، وتوقعاتها.