تفرز الفترات والحقب الزمنية المصحوبة بالتغيرات السياسية والظروف الاقتصادية صعوداً وهبوطاً، ظواهر اجتماعية تتسم بسمات كل مرحلة، فمع تصاعد وانتشار التوجهات الإسلامية لدي الكثيرين في المجتمع المصري وتدعيم وتشجيع وسائل الإعلام وخاصة القنوات الفضائية الدينية وشهرة المشايخ لدرجة النجومية. ظهرت علي السطح ظواهر جديدة مثل الإفراج الإسلامية.. والتي أخذت طابعا يتم فيه فصل النساء عن الرجال منعا للفتنة وحتي تكون فيه النساء علي حريتها إلي أقصي مدي ممكن تخيله لدرجة الابتذال، وبالتالي الاستعانة بالفرق الموسيقية الإسلامية أيضا علي حد تعبيرهم. وبالبحث في نشأة هذه الفرق وجدت أنها بدأت في التكوين والظهور منذ أكثر من 20 سنة في عدة محافظات في الجمهورية، فعلي سبيل المثال ظهرت في القاهرة والمنوفية وأسيوط والمنيا ودمياط وغيرها، ولم يرتبط ظهورها بطبيعة المكان سواء الوجه البحري أو القبلي، ولكن ارتبط زيادة أعداها وتألقها والطلب عليها أثناء فترة حكم الإخوان 2012- 2013 ، ثم توقف الكثير منهم بل معظمهم بعد ثورة 30 يونية 2013. ومع دخولي هذا العام الجديد من الفنون الدينية، اكتشفت انه مقسم: إلي ثلاثة أنواع، الأول: يعتبر أفراده أو أعضاؤه أنفسهم أصحاب رسالة فنية متميزة تحترم أذواق وعقول الجمهور بغض النظر عما إذا كان هذا الزبون صاحب توجه إسلامي أو لا، فبعض زبائنهم من أصحاب التوجهات المعتدلة أو الوسطية ولكنه لا يعجبه الشكل المبتذل من الفنون العادية سواء في كلمات الأغاني أو الموسيقي أو أداء الفرق المصحوب راقصيها بملابس عارية قد تحدث مشكلات ومشاجرات في الافراج وخاصة الشعبية أو المنصوبة في الشوارع، وأصحاب النوع الأول من الفرق يستخدمون الدف والطبول والدرامز والأورج، ولديهم نوع من المرونة في الأداء فيستعينون بالحركات الإيقاعية أو الفقرات المصاحبة لأغانيهم مثل رقصة التنوة أو ما يشابه أداء فرقة رضا، وهذه الفرق ترتدي ملابس عادية موحدة مثل البدلة الكاملة للشاب أو العبايات للبنات وفي بعض الأحيان تترك لأعضائها حرية الملبس ولكنه في كل الأحوال محترم أو محتشم، كما تصطحب هذه الفرق الدي جي ويقومون بتشغيل الأغاني المشهورة التي لا تحمل كلمات أو ألحان خادشة لمطربين مشهورين مثل وائل جسار أو علي الحجار ومحمد الحلو وبعض أغاني حمادة هلال يعني الأعاني ذات الطابع الديني. والنوع الثاني من الفرق لها طابع متزمت إلي حد ما لا يخرجون فيه عن قالب ثابت من الأغان الدينية التي يصاحبها آلة الدف فقط أو لا يكون هناك أغنية من أصله مجرد أدعية أو أناشيد، وزبائن هذا النوع من الفرق من أصحاب التوجهات السلفية، وتوجد فيها فرق للشباب وآخر للشابات، ويأتي هذا الأداء من منطلق أنهم متمسكون بالدين ولا يريد العروسان أن يبدآ حياتهما بما يغضب الله تعالي. ويدافع أصحاب النوع الأول من الفرق الإسلامية عن رسالتهم بالدليل الديني أنه ليس هناك تحريم شرعي لمباهج الاحتفال سواء بالإفراح أو أي مناسبة أخري من موسيقي أو غناء طالما في إطار محترم. أما النوع الثالث من الفرق فهو حسب الطلب أي حسب رغبة الزبون، فمن يريد فرحا إسلاميا متحفظا يقومون بتلبة طلبه سواء بالزي أو الأداء، ومن يريد فرحا سافرا فليس هناك ما يمنعهم من أدائه فليس لهم مبدأ أو رسالة فنية هادفة ولكنه أكل العيش أو سعيهم للرزق. وتنقسم هذه الفرق إلي شباب فقط أو شابات فقط أو شباب وشابات فريقين تابعين لنفس الفرقة، كلها بدأت بسيطة تعتمد علي اجتهادات أعضائها سواء في تأليف الأغاني أو تلحينها وتدبير نفقات الأدوات الموسيقية والملابس، ثم تطورت وأصبحت تستعين بمشاهير المؤلفين والملحنين والتسجيل في الاستوديوهات عالية القتنيات، بل أصبح لهم شرائط كاسيت متداولة في الأسواق وكليبات تذاع علي القنوات الفضائية الدينية أو الجزيرة، وإعلانات علي الإنترنت مصحوبة بآيات قرآنية وعبارات دينية مؤثرة وتخاطب المتدينين، ويعمل في هذه الفرق طلبة الجامعة وحملة المؤهلات العليا مثل المهندسين والأطباء والمحاسبين إما من منطلق إشباع موهبتهم الفنية أو من باب التوسعة في الرزق والدخل المادي، بعض هؤلاء من أعضاء الفرقة يتوقف بعد فترة بسبب الإحراج الاجتماعي والبعض الآخر يتوقف بعد تخرجه في الجامعة للعمل في تخصصه وآخرون يستمرون في العمل دون حرج، وتتراوح أسعار أجور وأسعار هذه الفرق فيما بين 500 إلي 2000 جنيه وربما أكثر حسب مكان الفرح وبعد المسافة وشهرة الفرقة، وتتراوح مدة فقراتها إلي ساعتين في المتوسط، أما فرق البنات فلهم عالمهم الخاص الذي يحمل كل المتناقضات فهناك الملتزمات زيا وأداء بالأداب، وهناك السافرات اللاتي يعملن راقصات ولكن تأتي للحفل بالنقاب أو العباية ثم تخلعها ولا يفرق أداؤها عن راقصة عادية. وتؤكد الدكتورة آمنة نصير أستاذ الفلسفة والعقيدة الإسلامية بجامعة الأزهر أننا نعيش الآن فترة يتم فيها الاتجار بالدين والتأسلم والتدين بشكل غير منضبط أو متوازن، لدرجة أسلمة مباهج الحياة وتقسيم الأفراح إلي إسلامية وإلي كافرة، وتضيف نصير أن هذه المسألة التجارية تتسم بالسذاجة والسخافة التي وجد مروجوها من يستجيب لهم بأعداد ليست قليلة مع أن الإسلام واضح وصريح فقد ترك لنا حرية الاحتفال بالأفراح وغيرها من المناسبات ولكن في إطار محترم دون ابتذال أو افتعال للقيم الإسلامية التي لا يكون لها وجود في الحقيقة في الأفراح التي تخلو فيه النساء مع بعضهن فيظهرن الابتذال والعري الذي لا يليق مع الاحتشام الأخلاقي والسلوكي، وهنا تؤكد الدكتورة آمنة نصير أنه ليس شرطا أن الفرح لا توجد فيه سوي النساء وأن يأمن شرور بعضهن البعض وتستشهد بقول الله تعالي: «نفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها» وتفسر الآية علي أن النفس البشرية تحمل داخلها الخير والفجور أو الشر وتضيف أن الشيطان الذي يكون حاضرا في مثل هذه التجمعات أو غيرها يملك من المهارات والخبث من إيقاع الإنسان في المعصية المهيأة بهذه الملابس وهذا الأداء المبتذل بحجة الحفاظ علي الدين في وجود السيدات فقط.