عندما كنا صغارا كان يوجد في كل قرية شخص معين يعرفه الجميع وكانت مهمته في غاية الغرابة.. عندما كان أحد المواطنين يعلن عن زواج ابنه أو ابنته كنت تجده علي الفور حاضرا ليسأل الأب كم عدد »الغوازي« اللائي يريد أن يحيين الفرح.. هذا الشخص كان علي ارتباط وثيق مع »معلمات« شارع محمد علي الذي كان في وقت ما شارعا »للرذيلة وبترخيص من الحكومة زمان« ربما لأنه بدأ زبونا دائما لهذا الشارع ثم حول بعد ذلك متعته إلي مصدر للرزق.. كان يعرف جميع المعلمات بالطبع وكانت له نسبة أو عمولة متفق عليها وعندما كان الأب يتفق معه علي احياء الفرح.. كان يحصل من الأب علي اجرة السفر ثم يغادر إلي القاهرة حيث يتفق مع احدي المعلمات التي تقدم أعلي عمولة ويحدد معها الموعد وطريقة الوصول ووسيلة المواصلات ونوع الأكل وكل التفاصيل التي كانت معروفة وقتها للجميع وكان هذا الشخص يغادر يوم الفرح إلي القاهرة ويعود ومعه »العوالم« وكان »العوالم« أو »الغوازي« لا يقل عددهن عن خمس ومعهن المعلمة بالطبع وأحد المغنين وطبال واثنان أو ثلاثة من الموسيقيين فإذا اقترب هذا الفريق من القرية كان يعد لهن طابور من الحمير ينقلهن من المحطة إلي دار العروس.. وهناك يقدم لهن الطعام ولابد أن تكون كمية اللحوم كافية للبطون الجائعة ثم يعد لهن حجرتان واحدة للنساء والأخري للرجال ينامون فيها حتي تبدأ السهرة وهي عبارة عن وصلات رقص للغوازي مصحوبة بأغنيات للمغني صاحب الصوت المشروخ المصاحب لهن، فإذا انتهت السهرة وقامت الغوازي بزفة العروس اعدت لهن الحمير تحملهن إلي المحطة وهنا تنتهي مسئولية السمسار وصاحب الفرح بعد أن تحصل المعلمة علي الأجر ولم يكن يزيد لكل هذا الفريق الكبير علي خمسة جنيهات في أحسن الأحوال.. كان هذا هو حال الغوازي وكن يعوضن نقص الدخل بالنشاط الآخر الذي اشتهر به الشارع المذكور.. فجأة في السنوات الأخيرة تغير حال هؤلاء الغوازي.. جاءت السينما وجاء التليفزيون وانتقلت بعضهن بعيدا عن الشارع ذي السمعة المتدنية للسكن في الاحياء الراقية وأخذ بعضهن يطلق علي نفسه ما شاء من الألقاب مثل »برنسيسة« و»أميرة« و»صاروخ« وقنبلة الرقص الشرقي.. إلي آخر هذه التسميات ومع انتشار الفنادق ومع ظهور طبقة »الذين لا يتعبون في تكديس الثروات« وفي أجواء حفلات زفاف السبع نجوم أصبحت هؤلاء الراقصات صاحبات أعلي الدخول في العالم لدرجة أن احدهم حسب مرة »الهزة« الواحدة من وسط راقصة مشهورة بما يساوي مرتب أستاذ الجامعة في 5 سنوات.. هؤلاء الراقصات اللائي سيظللن مهما سلط عليهن من اضواء بقايا شارع محمد علي يطللن عليك في رمضان.. بعضهن يتحدثن في حوارات عن الفن وعن السياسة وعن العلم وعن غيرها من الأمور مع ان غالبيتهن لا يعرفن الكتابة ولا القراءة.. الذي نطلبه من تليفزيوننا الذي نرجو أن يكون محترما أن يضع في اعتباره اجواء شهر رمضان الكريم وأن يدرك القائمون علي هذا التليفزيون أن شهر رمضان ليس شهرا للغوازي ويجب ألا يكون موسما لاجراء اللقاءات والحوارات والبرامج مع هذه النوعية من البشر فرمضان له مواصفات أخري ويجب ان تكون له برامج محترمة تليق بقدسية هذا الشهر الكريم وموقعه من الاسلام لقد كانت الفوازير في وقت ما أضحوكة الاضاحيك وجعلت العالم العربي من المحيط إلي الخليج يسخر منا ويضحك علينا فهل ندرك هذه الحقيقة المرة وهل يرحمنا التليفزيون هذا الشهر من ذكريات نجمات شارع محمد علي.. أرجو ذلك. ولله الأمر