شهدت ردود الأفعال حول قرار الحكومة المصرية برفع الدعم عن الوقود تبايناً كبيراً ما بين الداخل والخارج، ففي الوقت الذي قوبل فيه القرار بالكثير من الهجوم في الداخل، وتشكيك في مقدرة المصريين علي تحمل تبعاته، وأيضاً إطلاق التحذيرات للحكومة من تعرضها لموجة ثورية جديدة، كان للخارج رأي آخر حيث رحبت المؤسسات المالية العالمية بالقرار، واصفة إياه بالخطوة الأولي علي طريق الإصلاح، وواصفة رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي بالواثق من نفسه ومن تأييد شعبه له، في حين اعتبر خبراء الاقتصاد هذا القرار بداية حقيقية لاتخاذ إجراءات إصلاحية لعلاج الخلل في الموازنة العامة، ومن ثم تحسين التصنيف الائتماني لمصر. من أوائل المؤسسات التي أشادت بقرار الحكومة المصرية بخفض الدعم على الوقود، وكالة «فيتش» للتصنيف الائتماني التي توقعت تحسن الوضع الائتماني لمصر نتيجة هذا الإجراء، بعدما أدى عجز الموازنة الكبير منذ ثورة 25 يناير إلى تخفيض التصنيف الائتماني لمصر عدة مرات منذ عام 2011. فيما وصف صندوق النقد الدولي الإصلاحات الأخيرة التي تقوم بها دول الشرق الأوسط خاصة مصر بالمشجعة، وتأتي وفقا لخطط جيدة ضمن استراتيجية أوسع نطاقاً لضبط الأوضاع المالية العامة، وذلك في إطار القرارات الاقتصادية التي اتخذتها مصر برفع الدعم عن الوقود. كان التصنيف الائتماني لمصر قد انخفض 6 مرات منذ يناير 2011 وحتي يونية 2014، الذي وصل إلي «-B» بعد سلسلة من التخفيضات لدرجة «+CCS» طبقاً لستاندر آند بورز، ومن المعروف أن التصنيف الائتماني لمصر تم تخفيضه أربع مرات فقط منذ 1999 حتي عام 2010. وبحسب رئيس مجلس إدارة بنك القاهرة منير الزاهد، فإن الاجراءات التي شرعت الحكومة واتخاذها حالياً من شأنها تصحيح مسار الاقتصاد المصري خلال فترة وجيزة جداً، واصفاً خطواتها بالجريئة مقابل كل الحكومات والأنظمة السابقة التي ترددت كثيراً في اتخاذ هذه القرارات، مما نتج عنه تردي الوضع الاقتصادي بالصورة التي أصبحنا عليها قائلاً: «لو أننا اتخذنا هذه القرارات منذ سنوات طويلة مضت ما كنا وصلنا لهذا الحال». وأكد رئيس بنك القاهرة أن هذه القرارات من شأنها تغيير الصورة لدي المؤسسات المالية العالمية، ولهذا مردود كبير علي التعاملات المالية الخارجية بعد فترة عصيبة من التراجع في التصنيفات والتقديرات، مشيراً إلي أهمية الاستمرار علي طريق الإصلاح، واتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ باقي القرارات المرتبطة بالإصلاح الاقتصادي مع أقل ضرر وتحمل لمحدودي الدخل. وهو الأمر الذي اتفق معه فخري الفقي، مساعد المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي سابقاً، قائلاً: «إن حزمة القرارات التي اتخذتها الحكومة المصرية من شأنها رفع التصنيف الائتماني لمصر الذي انخفض إلى أدنى مستوياته خلال الثلاث السنوات الماضية، ومع المساعدات العربية وفي ظل وجود نوع من الاستقرار وتحديد لبعض ملامح الاقتصاد المصري مستقبلاً عاد للارتفاع مرة أخرى»، مشيراً إلي سلامة هذه القرارات التي تضع الاقتصاد المصري علي المسار الصحيح في إعادة التصنيف الائتماني لمصر. وأضاف «الفقي» أن إشادة صندوق النقد بالقرارات الإصلاحية الأخيرة، أمر مهم وضروري، فقرار رفع الدعم يؤكد أن الحكومة المصرية قادرة على اتخاذ إجراءات إصلاحية جريئة، مشيراً إلى أنه حتى الآن لم تتم أي اتصالات بين الحكومة المصرية وإدارة الصندوق، ولم تطلب مصر أي قروض، لأنها تعلم أن الصندوق لا يمكنه عقد اتفاق مع دولة لم تكتمل مؤسساتها الدستورية، وبالتالي لابد من الانتظار حتى يتم انتخاب البرلمان ومن ثم تطلب مصر أي قروض حال رغبتها في ذلك. وأوضح مساعد رئيس صندوق النقد السابق أن الحكومة أعطت مؤشرات ودلالات للمؤسسات المالية العالمية بأنها تتجه نحو اتخاذ المزيد من الخطوات والإجراءات الإصلاحية لمعالجة الخلل في الموازنة العامة وتقليل العجز، إلا أنه ربط نجاح منظومة الإصلاح والاستمرار بالقدرة على التنفيذ دون الإضرار بأوضاع محدودي الدخل، مشيراً إلي ضرورة اتخاذ تدابير احترازية لحماية الشرائح البسيطة وأصحاب الدخول المنخفضة، قائلاً: «إنه بقدر سلامة القرارات في اتجاه إصلاح الخلل المالي في الموازنة، لابد أن يتم تنفيذ باقي القرارات في إطار برنامج واضح وشامل لتصحيح الهيكل المالي، وما يتبعه من سياسات أخرى لإصلاح الاقتصاد خاصة بالاستثمار». فيما أكدت الدكتورة أمنية حلمي، المدير التنفيذي السابق للمركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن تدني عدد من المؤشرات الاقتصادية أهمها عجز الموازنة وارتفاع الدين العام إلى مستويات غير مسبوقة كانت السبب وراء تراجع التصنيف الائتماني لمصر خلال الثلاث السنوات الماضية، لذلك فإن أي توجه أو قرار من شأنه العمل علي عجز الموازنة سيكون له مردود إيجابي على تحسن التصنيف الائتماني لمصر. وأشارت «حلمي» إلي أن رفع الدعم تدريجياً عن الوقود من الإقرارات التي ستساهم في تراجع عجز الموازنة قائلة: «إنه من الإجراءات الإصلاحية التي لابد منها حتي في حالة عدم رضاء الشارع عنها». وحول مردود هذه القرارات علي صندوق النقد الذي شهد التعامل معه العديد من الاختلافات الفترة الماضية، قالت: «الاقتصاد المصري يحتاج إلى عدد من الإجراءات الإصلاحية سواء كان هناك اتفاق مع الصندوق أم لا»، موضحة أن أي قرار بشأن قرض الصندوق لا جدوي منه حالياً إلا بعد وجود مجلس نيابي - وهو الأمر الذي أكد عليه وزير التخطيط الدكتور أشرف العربي - مشيرة إلي أن ارتفاع عجز الموازنة وتمويله من خلال الجهاز المصرفي أدى إلى تراجع حجم الائتمان المتاح للقطاع الخاص من البنوك وبالتالي حد من القدرة على إقامة استثمارات جديدة. دكتور فؤاد شاكر، رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا، أكد أن بيان صندوق النقد الدولي وإشادته برفع الدعم، إيجابي بدرجة كبيرة، واصفاً إياه بالأمر المشجع لمصر للاستمرار في طريق الإصلاح، خاصة أن هذه القرارات صدرت دون الارتباط مع الصندوق باتفاق، كما كان سابقاً لكنه مرتبط فقط بمصلحة مصر الاقتصادية، وهو ما يعطي انطباعاً بأن القيادة الجديدة جادة في الإصلاح، ومع ذلك يري «شاكر» أن الوقت ما زال أمامنا طويل حتى يتحسن موقف مصر الائتماني، فلابد من الوصول إلى مرحلة من الاستقرار الاقتصادي وبناء احتياطي نقدي، ليتحرك التصنيف الائتماني لمصر.