حذرت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية مؤخراً علي لسان الكاتب «فيسك» من اندلاع حرب طائفية في الشرق الأوسط بين المسلمين السنة والشيعة، وقد جاءت تلك المخاوف بعد الانتصارات التي حققها تنظيم داعش السني في العراق مؤخراً ضد قوات مالكي الشيعية مما يهدد بتقسيم العراق إلي دولة كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب. ويحذر خبراء من انتقال نيران الفتنة الطائفية من العراقوسوريا إلي دول الخليج التي تقطنها أقلية شيعية لا يستهان بها وتدين بالولاء إلي إيران أكثر من ولائها لأوطانها، كما يحذرون من الفتنة الطائفية في ليبيا التي يحركها الإخوان والغرب لتوريط الجيش المصري في صراع طويل لإنهاكه تمهيداً لتقسيم المنطقة. اللواء الدكتور نبيل فؤاد أستاذ العلوم الاستراتيجية يؤكد أن مخطط إثارة الفتن الطائفية في الدول العربية بدأ منذ التصريحات الأمريكية عن الفوضي الخلاقة، مشيراً إلي أن الفوضي الخلاقة التي يرعاها الشيطان الأمريكي، هدامة بدأت بهدم الدول العربية منذ احتلال العراق ومازال العمل علي تنفيذها بكل الطرق، سواء عبر القوي الناعمة، أو الاحتواء الدبلوماسي المشروط، أخيراً باستخدام الفتنة الطائفية للسيطرة المطلقة علي المنطقة، وحماية مصالح الشيطان الإسرائيلي والأمريكي، مع العلم بأن الأمن القومي الإسرائيلي جزء من الأمن القومي الأمريكي، ولكي يؤمن أمنهما لابد من كبش فداء، وهي الشعوب العربية، والطريق الأسهل دائماً لهزيمة هذه الشعوب التي يجمعها دين ولغة واحدة، وعادات وتقاليد متشابهة، هي الفتنة الطائفية العقائدية. وأضاف «فؤاد» أن نتيجة الفوضي الهدامة واستخدام سلاح الفتنة الطائفية ضد الدول العربية واضحة، فالدول العربية معظمها غارق في دوامة الحروب الأهلية، والفتن والصراع علي السياسة الذي يحركه في الغالب التعصب القبلي أو الديني العقائدي، مما يزيد العرب تخلفاً وعجزاً هذا في الوقت الذي تصعد فيه إسرائيل في ركاب التقدم دون توقف. خطة ناجحة ويري «فؤاد» أن خطة الشيطان الأمريكي لتفتيت وتقسيم الدول العربية بسلاح الفتنة الطائفية، بدأت تؤتي بثمارها في العراق بنجاح، وانتقلت إلي سوريا وليبيا. ويفسر «فؤاد» ما يحدث في العراق، قائلاً: إن العراق للسنة والشيعة معاً منذ مئات السنين، ولا خلاف علي ذلك، إلا أن حركة «داعش» التي تسعي لإنشاء دولة إسلامية في العراق والشام، جاءت بالفتنة الطائفية من أوسع الأبواب بين السنة والشيعة، بعد أن تدربت علي الأراضي السورية لتنفيذ خطتها والوصول لدولتها المزعومة التي تسعي لإقامتها علي أنقاض وجثث دول عريقة. وأكد أن خطة إسقاط العراق وتقسيمها يمكن استخدامها أيضاً ضد دول عربية أخري مثل السعودية التي يعيش في شرقها عدد ضخم من الشيعة، لذلك من الممكن أن تصيبها شرارة الفتنة بسهولة، وكذلك الحال في البحرين الذي يزيد عدد الشيعة فيها علي نصف عدد السكان، أما الإمارات فيؤكد أن 84٪ من عدد سكانها أجانب، ما بين هنود وباكستان، في حين أن مواطنيها الأصليين لا يتعدون 16٪ فقط من عدد سكان دولة الإمارات، إحداث فتنة أو شغب في الإمارات شيء سهل جداً ويمكن أن يحدث بمجرد استدعاء العداء القديم بين الهنود والباكستانيين، هذا إضافة إلي تنوع المواطنين ما بين سنة وشيعة فالتركيبة السكانية للإمارات يمكن اللعب عليها بسهولة لصالح أعدائها. وتطرق «فؤاد» في حديثه إلي دول الخليج ومدي إمكانية تعرضها لفتنة طائفية مفتعلة، قائلاً: إن دول الخليج هشة يسهل العبث بداخلها خاصة من قبل الشيطان الأمريكي نظراً لطبيعة البناء المجتمعي فيها، الذي تسوده ثقافة القبلية والتعصب العقائدي. وعن إمكانية استخدام سلاح الفتنة الطائفية ضد مصر يؤكد «فؤاد» أن مصر ذات طابع خاص تنفرد به عن كل الدول العربية، فهي تتميز بمجتمع متماسك، وغير قابل للانقسام، مشيراً إلي أن محاولات أمريكا وإسرائيل لتفتيت الشعب المصري باءت جميعها بالفشل، ومازالت مصر متماسكة حتي الآن، رغم الظروف الصعبة التي مرت بها، وهذا خير دليل علي فشل إقحام مصر في غيبوبة الفتنة الطائفية، هذا إضافة إلي أن الجيش المصري يعد من أقوي جيوش العالم، ومن المحال أن تؤثر فيه جماعات إرهابية مثل داعش، وهو قادر علي ردعها جيداً لذا فهي لا تتجرأ علي الاقتراب من مصر. والحل الوحيد لسد ثغرة الفتنة الطائفية أمام أعداء الدول العربية يتوقف علي الحكام العرب، مشيراً إلي أن التصالح بين الحاكم وشعبه وتحقيق العدالة بينهم بغض النظر عن عقائدهم وانتماءاتهم القبلية هو الحل الوحيد لإخماد الفتنة قبل اشتعالها. واتفق اللواء محمد علي بلال قائد القوات المصرية في حرب الخليج مع الدكتور نبيل فؤاد فيما يخص الفتنة الطائفية في الدول العربية، وعن كونها سلاحاً بتاراً في أيدي أمريكية تعمل دائماً لصالح إسرائيل وتعزيز موقفها في المنطقة، قائلاً: إن الهدف من إشعال نار الفتنة في الدول العربية هو الإبقاء عليها ضعيفة وغير قادرة علي النهوض، كما يراها «بلال» توضح أطراف خطة تقسيم الدول العربية بسلاح الفتنة، قائلاً: إنه في عام 2011 انسحبت بعض القوات الأمريكية من العراق وبقي البعض الآخر بحجة تدريب الجيش العراقي، ومع بداية الربيع العربي في مصر وسوريا واليمن وليبيا، كانت الخطة الأمريكية أن يسيطر الحكم الإسلامي علي المنطقة، وبالتالي تضمن أمريكا تأمين مصالحها في المنطقة، وأكبر دليل علي ذلك اتفاقية 2012 بين مصر وحماس وإسرائيل علي يد الإخوان المسلمين التي أشبه باتفاقية السلام بينهم، لذا وبعد اطمئنان أمريكا علي إسرائيل من جانب مصر وحماس بدأت تعد العدة لضرب سوريا جواً في عام 2013 بحجة تدمير المستودعات الكيماوية، ثم قامت الثورة المصرية الثانية في مصر لتنقلب الموازين وتغير أمريكا حساباتها وتعدل عن ضرب سوريا، وهنا اتجهت أمريكا إلي استخدام الخطة البديلة عن الضرب العسكري، وهي إشعال نار الفتنة الطائفية في الدول العربية لهدمها وتفتيت قواها وتقسيم أراضيها، عن طريق داعش الإسلامية كبديل للإخوان المسلمين في المنطقة، وتم تدريبها علي الأراضي السورية بأموال أمريكية، ثم اتجهت إلي العراق لتكون دويلة علي أرض الواقع في العراق بالقرب من الحدود السورية، وسيبدأ تقسيم العراق بعد هذه الأحداث في كردستان ثم كركوك، ثم جنوبالعراق الشيعي، والوسط السني. ويضيف «بلال» أن الأحوال لم تختلف كثيراً في ليبيا، لذا فهي تمثل خطورة كبيرة علي مصر، ولابد أن يؤمن الجيش المصري الحدود المشتركة بأيدٍ من حديد. ويؤكد عباس الطرابيلي، الكاتب الصحفي، أن الفتنة الطائفية في العراقوسوريا وليبيا واليمن أصبحت واقعاً مراً يشاهده الجميع ويشاهد نتائجه المأساوية كل يوم، أما المجازر التي تمت في شمال العراق مؤخراً علي يد داعش الإرهابية وما أشعلته من فتنة وصراع بين الشيعة والسنة، فهي كارثة محققة واختراق للأمن القومي العربي، جاء بعد تخطيط ذكي من شيطان يعلم جيداً ما يريده من وراء هذه الفتنة، كما يعلم جيداً، كيفية تحقيقها، فاختيار شمال العراق كان اختياراً خبيثاً ذكياً، لأنه دولة شبه مستقلة واقتحامها أمر سهل علي خلايا داعش، ومنها إلي وسط العراق، ثم تنتقل عدوي الفتنة إلي باقي الدولة، وهذه الخطة المستقبلية لانتهاك العراق الشقيقة. أما عن ليبيا فيقول «الطرابيلي»: إن الإخوان يخربون فيها وخلفهم المحرك الحقيقي للحرب الأهلية والفتن في ليبيا وهي القوي الغربية، إذ نستطيع أن نقول شرارة الفتنة في ليبيا غربية بأيدي إخوانية، وهذا شيء متوقع من الدول الغربية لأن ليبيا أكبر دولة بترولية في أفريقيا. أما تونس واليمن وسوريا فيؤكد «الطرابيلي» أن الصراع داخلها ديني في المقام الأول، ما بين الفكر العلوي والشيعي والسني في هذه الدول، مشيراً إلي أن هذه الفتن تصب جميعها في صالح الغرب وإسرائيل، لذا يجب الحذر من اندفاع مصر وإقحام الجيش المصري في أحداث العراقوسوريا، لأن هذا هو المخطط، خاصة بعد إسقاط الإخوان واستعادة مصر الدولة الرائدة في المنطقة.