تواجه مصر في الآونة الراهنة العديد من المشاكل والتحديات والتي تتطلب اتخاذ قرارات مهمة ومناسبة لمواجهة هذه التحديات الاقتصادية والاجتماعية، مع ضرورة الأخذ في الاعتبار البعد الإنساني لهذه القرارات ومراعاة طبيعة وظروف وأوضاع المجتمع المصري وضرورة الحفاظ على الاستقرار السياسي وعدم تحميل الطبقات الفقيرة والمتوسطة أكثر من قدرتها على الاحتمال، للحيلولة دون حدوث تداعيات وآثار غير مرغوب فيها في هذه المرحلة الدقيقة التي يمر بها الوطن وضرورة أن يكون العلاج حتى لو كان مرا في نطاق القدرة على الاحتمال للخروج من هذه المرحلة الدقيقة بأقل درجة من الخسائر أو السلبيات مع تعظيم الإيجابيات، وأن تكون هناك دائما دراسة جدوى للقرارات المختلفة سواء في المجال الاقتصادي أو المجال السياسي قبل اتخاذها لضمان تحقيق هذه القرارات الأهداف المطلوبة، ولتجنب حدوث نتائج أو تداعيات أو مفاجآت خلال التطبيق العملي غير مرغوب فيها، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى الملاحظات التالية: أولا: الاحتياج إلى ادخال اصلاحات هيكلية على الاقتصاد مع ضرورة مراعاة البعد الاجتماعي والإنساني، حيث يعاني الاقتصاد المصري من تراكمات عقود عديدة ترتبت عليها زيادة هائلة في الديون الخارجية والداخلية والتي كانت بمثابة الحل السهل لعلاج عجز الموازنة العامة للدولة، وقد تزايدت حدة المشكلة أيضا نتيجة لتوجيه موارد هائلة للدعم والذي لم يكن يصل بالضرورة إلى مستحقيه مما زاد من الضغوط على الميزانية المثقلة بالأعباء وترتب على ذلك أن قرابة ثلاثة أرباع الميزانية العامة للدولة توجه إلى الدعم وخدمة الديون والأجور بينما لا يوجه إلى مجال الاستثمار والخدمات سوى ربع الميزانية فقط وهي نسبة ضئيلة مقارنة بدول أخرى متعددة، ولذلك تطلب الأمر اتخاذ قرارات خاصة بالدعم وترشيده وتخفيضه وهي قرارات صائبة من الناحية الاقتصادية والأكاديمية ولكن يتطلب الأمر ألا يكون ذلك على حساب الطبقات الفقيرة والمتوسطة والتي تشكل أكثر الفئات معاناة من الناحية الاقتصادية في المجتمع ولذلك قد لا يكون من المفيد تحميلها بمزيد من الأعباء ومن ذلك على سبيل المثال ما حدث من زيادة في أسعار الوقود فقد كانت نسبة الزيادة كبيرة في البنزين 80 والسولار وهو الذي يستخدمه الفلاح في الحقل في ماكينات الري والحصاد، وهو الذي يستخدم في وسائل النقل والمواصلات الخاصة والتي تعتمد عليها الطبقات الفقيرة والمتوسطة، وهو الذي يستخدم في وسائل نقل المحاصيل الزراعية ولذلك فالتخوف هنا أن يترتب على ذلك زيادة كبيرة في أسعار النقل والمواصلات وينعكس ذلك على مختلف السلع الغذائية مما يزيد من الأعباء على الطبقات الدنيا والمتوسطة، أي عكس الفلسفة التي تهدف إليها الحكومة وهي حماية هذه الطبقات لتحقيق العدالة الاجتماعية. كذلك من المرغوب فيه مراعاة التدرج في الإصلاحات الاقتصادية وألا تكون في مدى زمني قصير أو بطريقة مفاجئة، كما يتطلب الأمر الحذر من الوصفات الجاهزة سلفا التي تقدمها المنظمات الاقتصادية الدولية والتي لا تأخذ في الاعتبار الأبعاد الإنسانية والاجتماعية والتي أدت إلى توترات سياسية واجتماعية وعدم استقرار سياسي في عديد من الدول التي عملت على تطبيق هذه النصائح أو الوصفات الاقتصادية والتي لا تأخذ في الاعتبار ظروف كل مجتمع وبيئته، فالمجتمع المصري بعد كل ما شهده من تطورات في السنوات القليلة السابقة لم يعد يحتمل المزيد من التوترات أو عدم الاستقرار وهذا ما يجب التنبه له من جانب الحكومة في كافة الإجراءات والقرارات التي تتخذها. ثانيا: الاحتياج إلى أساليب وسيناريوهات للتعامل الناجح مع نتائج الانتخابات النيابية القادمة ، و خصوصا في ظل بعض الاحتمالات الواردة من الناحية السياسية ومنها عدم حصول أي حزب أو تكتل حزبي على الأغلبية في البرلمان،أو حصول المستقلين على الأغلبية بينما لا يمكنهم بموجب قانون الانتخابات النيابية الانضمام إلى الأحزاب السياسية، فالتساؤل الذي تثيره هذه الاحتمالات هو كيفية تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات؟ وكيف تكون هذه الحكومة قوية ومستقرة؟ وهل هناك احتياج إلى ادخال بعض التعديلات على قانون الانتخابات النيابية لتجنب حدوث مثل هذه النتائج؟وكيف يمكن تلافي عدم الدستورية ؟وربما لا تحدث هذه الاحتمالات على أرض الواقع ولكن يفضل في السياسة دائما أن نتوقع الأسوأ وأن تكون لدينا خطط وسياسات معدة سلفا لمواجهة الأسوأ في حالة وقوعه وحتى لا تحدث مفاجآت غير متوقعة. ثالثا: الاحتياج إلى ترشيد الإنفاق أو البذخ الحكومي سواء كان هذا البذخ في الداخل أو الخارج، وربما من المجالات التي يمكن فيها ترشيد الإنفاق الحكومي سيارات المسئولين ومكاتبهم والسفارات والبعثات التمثيلية المصرية في الخارج، ففي بعض الدول التي لا تتواجد فيها جاليات مصرية كبيرة ولا تمثل بالنسبة لمصر أهمية كبيرة من الناحية السياسية أو الاقتصادية يكون التساؤل عن مبرر تواجد سفارة كبيرة فيها، ويمكن أيضا اللجوء إلى التمثيل المتعدد أي أن يكون سفير مصر في دولة معينة سفيرا غير مقيم في عدة دول مجاورة، فضلا عن الإسراف في استخدام مصادر الطاقة في الأجهزة والمؤسسات الحكومية وإضاءة الشوارع نهارا، وإذا ما أضيف إلى ذلك الالتزام بالحد الأقصى للمرتبات والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة ومكافحة الفساد الذي يستنزف الموارد فإن ذلك أيضا يساعد في تخفيف الضغوط على ميزانية الدولة. وأخيرا نحن في حاجة إلى ادخال اصلاحات اقتصادية ولكن دون أن يكون ذلك على حساب الطبقات الدنيا والمتوسطة بل يتطلب الأمر أن تشعر هذه الطبقات بتحسن في أوضاعها المعيشية مما يعكس الأخذ بالاعتبارات الإنسانية والاجتماعية والتدرج في عملية الإصلاح الاقتصادي فضلا عن التعامل الناجح مع المستجدات السياسية، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون للحكومة موقفها الحاسم من رفع الأسعار والتي تثقل كاهل المواطن العادي وتؤدي إلى نتائج مخالفة لفلسفة الإصلاح الاقتصادي وتنعكس سلبا على الأوضاع السياسية والاجتماعية.