برغم الثراء الحياتى فى الشخصيات الثلاث جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر والخديو إسماعيل.. فإن كثيراً من الخفايا لاتزال تبحث عن من يكتشفها ويحللها ويناقشها بعين الحياد، دون انحياز، خاصة أن السنوات الستين الماضية حملت إلينا تشويه هذه الرموز وغيرها تشويهاً يصل إلى حد الخيانة العظمى وبعضها يتنافى مع معطيات التاريخ من حيث تعاظم الدور الحضارى وارتفاع مستوى معيشة المصريين، وبعض مزاعم المدعين من المؤرخين وصلوا إلى أبعد من ذلك فقد ارتضوا أن يخلطوا بين الأدوار.. وبين الأوراق وبين مصائر الشعوب بناء على مصائر هذه الأسماء، وخير دليل على ذلك، أن يتحمل جمال عبدالناصر مسئولية هزيمة حرب يونيو 1967 بكل رجولة وشموخ أمام العالم كله. وهى فى الحقيقة أكبر انكسار للمسئول الأول عن الجيش عبدالحكيم عامر، وهكذا كانت تدار دفة الحكم على مقادير الأحداث، وبالتالى فإن أحداثاً مصرية مصيرية لاتزال تحت سطوة العشوائية فى كتابة التاريخ، فالبعض مثلاً - يرى أن حرب اليمن التى تورطت فيها مصر كانت أعظم فتوحات للوصول إلى المركز الاستراتيجى العربى لمصر، وهو تفسير رومانتيكى، بينما يرى آخرون أنها سبب خراب خزينة الدولة، التى كانت ترمى مليون جنيه مصرى كل يوم فى اليمن، أيضاً الوحدة مع سوريا لغز آخر من يتحمل مسئوليته؟! ومن يمكن أن يؤرخه فى محتواه الحقيقى دون مزايدة أو نقص.. وأحداث أخرى تنتظر إعادة كتابة التاريخ، وهى الدعوة التى أطلقتها المفكرة الكبيرة الدكتورة نعمات أحمد فؤاد منذ ربع قرن، حين أصدرت كتابها «أعيدوا كتابة التاريخ!!».. وكثيرون يقولون إن الدراما ليست الباب الملكى لكتابة التاريخ.. خاصة فى بلاد العرب، فالأعمال الفنية عالمياً نجحت فى أمانتها بامتياز فى تأريخ الأحداث، أما فى مصر فكتابة التاريخ أو على الأقل السير الذاتية تشوبها دائماً الانحياز ولعل مسلسل سرايا عابدين برغم كل الأخطاء التاريخية إلا أنه يكفى أن يظهر بعض إنجازات الخديو إسماعيل، الذى ظلمه الجميع.. أما «صديق العمر» فقد طغت عبقرية الفنان باسم سمرة على شخصية عبدالحكيم عامر وأخشى أن ينسى الناس أخطاءه التاريخية الكارثية، ويتذكرون فقط عامر الإنسان الطيب، وأخشى أيضاً أن يترك المسلسل انطباعاً سلبياً ضد نضال جمال عبدالناصر ضد الرجعية والإقطاع ثم نضاله فى سبيل إرثاء مشروعات الإصلاح الزراعى ثم إقرار العدالة الاجتماعية وبعدها تأميم قناة السويس وبناء السد العالى.. ثم سنوات ما بعد 1967، حيث شيد جمال عبدالناصر الجيش المصرى على أعلى مستوى وكانت حرب الاستنزاف هى رحم النصر فى السادس من أكتوبر 1973، نحن نترقب أحداث مسلسل «صديق العمر» وبرغم الهنات فى كثير من الأحداث وكثير من الفتور والمط فإننا ننتظر الصدام بين الصديقين «جمال» و«عامر»، وهل سيكون على مستوى الأمانة التاريخية؟ ثم كيف سيصور المخرج عثمان أبولبن المعارك المضادة التى أقامها «عامر» ضد صديقه «ناصر».. وكيف انقلبت ضده خلال ستة شهور.