من الحقائق المؤكدة أن مصر هبة النيل والمصريين، وأن النيل هو صانع الحضارة المصرية، وصفه عمرو بن العاص لعمر بن الخطاب فى سياق وصف مصر يخط فيه نهر مبارك الغدوات ميمون البركات يسيل بالذهب ويجرى بالزيادة والنقصان كمجارى الشمس والقمر، وما يدل على المكانة العظيمة لهذا النهر ما جاء فى القرآن الكريم فى سياق الحديث عن فرعون، كما أن النيل نهر من أنهار الجنة مثلما جاء فى أحد الأحاديث النبوية الشريفة يعتبر النيل مصدر إلهام للشعراء، فقد رأى الشاعر تميم بن المعزلدين الله فى النيل البهجة والسرور فيصوره نظرت إلى النيل فى مده. يموج يزيد ولا ينقص كأن معاطف أمواجه معاطف جارية ترقص كما يعتبر مادة علمية تفتح شهية الباحثين فالدكتورة نعمات أحمد فؤاد جعلت من النيل موضوع رسالتها للدكتوراه إلى جانب أنها لا تعطى ظهرها للنيل، وتؤكد أن ما قاله المصريون القدماء عن النيل لخير دليل على قدسيته. هذا عن حال النيل بالأمس، لكن ماذا عن حاله اليوم؟ حدث ولا حرج، لقد أصبح خارج نطاق الخدمة بفعل فاعل، الكارثة هنا أن النيل يصرخ دون ناصر له يبكى دون أن يمسح أحد دموعه. لا ننكر أن وزارة الداخلية تقوم بجهود ملحوظة لإعادة الانضباط إلى الشارع، لكن ما يحدث على كورنيش النيل خاصة فى المنطقة المواجهة لمبنى التليفزيون وفندق هيلتون يعد كارثة بكل المقاييس، فالباعة افترشوا المكان وحولوه إلى مقلب زبالة حيث بقايا الطعام والشراب، وخروج النظافة دون عودة إلى جانب بعض السلوكيات التى تصدر من العشاق والمحبين والباحثين عن المتعة وسماع أسوأ الكلمات والشتائم والسباب من المافيا التى احتلت الكورنيش بإقامة أكشاك ومقاه صغيرة، وارتفاع الأسعار الذى يفوق ارتفاع الحر فى شهور الصيف، والاستغلال السيئ للمصريين وللعرب الذين يرغبون فى زيارة الكورنيش. رحم الله أجدادنا قدماء المصريين الذين كانوا يقسمون بأنهم لم يلوثوا النيل كشرط لدخول الجنة.