تنعقد القمة الإفريقية على وقع تصاعد ظاهرة الإرهاب في الإقليمين الإفريقي والعربي . ففي إفريقيا تهيئ "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" لإقامة طويلة ومجزية. وتظهر "بوكو حرام" عزماً كبيراً على اختطاف أكبر عدد من الفتيات، بينما ينشر أنصار الشريعة خلاياهم في مدن تونس وليبيا، ويصدّرون الباقي إلى المشرق وإلى سوريا تحديداً، ويواصل "الشباب الإسلامي" اندفاعه بحيوية متفاقمة . وحيث إن المنتمين إلى هذه المنظمات صغار في السن والتجربة، فإنه لن يكون غريباً ألا يكونوا قد سمعوا بمدني مرزاقي، "الأمير السابق للجيش الإسلامي للإنقاذ"، الذي مثل خلال التسعينات ما يمثلونه من تطرف واندفاع، ولكن ليعلن اليوم أنه منحاز بلا تردد إلى جانب الدستور، وإلى فكرة الميثاق الشامل والمصالحة الوطنية التي تضم الجميع . فأمام الأفارقة والعرب مسافات واسعة يجتازونها قبل أن تصل المنظمات المتطرفة إلى نهاية الطريق، وترفع سيف الإرهاب عن الرقاب . وحتى نبلغ هذا الهدف، فإنه لا بد أن نبني المؤسسات التي تحمي المواطن من هذه التحديات . حتى النصف الثاني من القرن العشرين كان الزعماء الوطنيون في إفريقيا، مثل نكروما ونايريري وكاوندا وغيرهم، يفخرون بصلاتهم بالمنطقة العربية وبقادتها وبأهل الرأي والقرار فيها، وبالتعاون الذي يسود الأفارقة والعرب، وبالإفادة من التجارب المشتركة . الآن لدى العرب ما يأخذونه عن إفريقيا أكثر مما لدى الأفارقة ما يتعلمونه من العرب . ففي مجال التعاون الإقليمي تخلف العرب عن الجميع بعد أن كانوا سبقوا الجميع إلى تأسيس النظام الإقليمي العربي عام 1945 . هذا ما نلمسه اليوم عندما نراجع أوضاع الأمن الإقليمي في كل القارة الإفريقية والمنطقة العربية . تقف الحكومات الإفريقية اليوم في إطار الاتحاد الإفريقي جنباً إلى جنب مع الدول العربية في صراع مع الإرهاب . هذا الهدف كان واحداً من الحوافز التي دفعت دول إفريقيا إلى تأسيس عمارة أمنية متكاملة تضم خمس مؤسسات هي: مجلس السلم والأمن الإفريقي، نظام الإنذار المبكر القاري، هيئة الحكماء، صندوق السلام، وأخيراً لا آخراً قوات الطوارئ الإفريقية . بعد ذلك بسنوات، أي عام 2006 اتخذت القمة العربية قراراً بتأسيس مجلس الأمن والسلم العربي، ولكن لكي يضم أربع مؤسسات فقط هي: فضلاً عن المجلس، بنك المعلومات، هيئة الحكماء، نظام الإنذار المبكر . إن القرار لم يغفل قوات الطوارئ العربية إغفالاً تاماً، ولكنه أشار إشارة مبتسرة وبائسة في أحد مواده جاء فيها، أن المجلس يستطيع اقتراح - تشكيل قوات سلام عربية - إذا دعت الحاجة إلى ذلك . الفرق بين مجلسي الأمن الإفريقي والعربي لا يقتصر على مسألة تشكيل قوات الطوارئ أو السلام فحسب، بل إنه أعمق من ذلك . إنه يتصل بالنظرة إلى بناء المؤسسات . فالقرار بإنشاء قوات الطوارئ الإفريقية حمل معه التعلق بهذه النظرة، إذ اقترن ببرنامج زمني محدد من أجل تنفيذ القرار وترسيخ القوات وتطويرها والارتقاء بها حتى تكون قادرة على الاضطلاع بالمهام الموكلة إليها . أما القرار العربي فقد انطوى على كل ما من شأنه تعطيل مفعوله، وعلى رغبة ضمنية في تعطيل المؤسسات لا بناءها . إن القرار يسحب من يد المجلس سلفاً إمكانية تشكيل القوات ويضعف من صلاحياته ومن فاعليته: إنه لا يحدد الجهة التي ينبغي أن يرفع إليها "الاقتراح"، ولا يحدد مهلة معينة للبت فيه فيتركها مفتوحة، بحيث إنه يمكن الموافقة على الاقتراح لكن بعد فوات أوانه . إن إقران تشكيل قوات السلام بالحاجة إلى ذلك، يحول القرار إلى ما يشبه المهزلة . فكما هو معلوم وبديهي، فإن الحاجة إلى تشكيل قوات سلام تكون في أكثر الأوقات حالات طارئة، لذلك سميت قوة طوارئ إفريقية، وتحتاج إلى تحرك سريع . فهل تملك البيروقراطيات العربية المدنية والعسكرية تشكيل قوات سلام، إذا دعت الحاجة، بمثل السرعة المطلوبة؟ لقد كان بطء مجلس الأمن الدولي في الاستجابة إلى الحاجات الملحة والطارئة، موضع نقد مستمر وشكوى مريرة من جميع الذين دفعتهم الحاجات الداهمة والمأساوية إلى المطالبة بتشكيل قوات تدخل دائمة . وفي ضوء هذه الانتقادات، وكحل ناجز لمعضلة التأخر والبطء في الاستجابة إلى حاجات التدخل الأممي أو الإقليمي السريع، واستناداً إلى الفارق النوعي بين قوات تدخل سريع دائمة وجاهزة ومتطورة باستمرار، وبين قوات تشكل، عند الحاجة، وبعد فوات الأوان، اقترح بطرس بطرس غالي في مشروعه الأممي الشهير تشكيل قوات طوارئ دولية دائمة . واستناداً إلى الفارق المهم بين قوات الطوارئ الإفريقية التي يجري تطويرها بدفع من الحكومات الإفريقية وبالتعاون مع الأممالمتحدة، هذا من جهة، وبين قوة سلام عربية لا يملك مجلس السلم والأمن العربي من أمرها إلا حقه في تقديم اقتراح بتشكيلها و-عند الحاجة-، واستناداً إلى الفارق بين قوات طوارئ إفريقية "دائمة"، وقوات سلام عربية "نائمة"، تبدو الحاجة ملحة إلى إعادة النظر في النظام الداخلي لمجلس الأمن والسلم العربي، وإلى تخويل المجلس الحق في تشكيل قوات سلام عربية دائمة، وتحويلها إلى نواة وإلى نموذج لتعاون القوات المسلحة العربية من أجل الدفاع عن البلدان العربية ضد مشاريع الاحتلال والاستيطان والهيمنة، ولتعاون المؤسسات الأمنية العربية ضد منظمات الإرهاب التي تهدد حق المواطن في الحياة وفي الحرية والمساواة . نقلا عن صحيفة الخياة