شاء الأمين العام للمجلس الأعلي للثقافة أن يقرأ استقالته علناً علي الحشد الثقافي والفكري الذي اجتمع في أكبر مناسبات المجلس- اعلان جوائز الدولة المختلفة علي الفائزين بها هذا العام- حتي تكون استقالته معلنة علي الأعضاء قبل أن يطلع عليها رسمياً الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة ورئيس المجلس الأعلي للثقافة بحكم منصبه!، وقد جاءت الاستقالة مفاجأة لجميع الحاضرين وبينهم وزير الثقافة بنفسه!، فتذكرت علي الفور بعد العلم بالاستقالة رفض الكاتب الكبير صنع الله إبراهيم للجائزة التي منحها له المجلس الأعلي للثقافة، وكان وزير الثقافة وقتها الفنان الكبير فاروق حسني، وكان رفض صنع الله الجائزة له أسبابه السياسية التي أعلنها صنع الله في جلسة المجلس الأعلي للثقافة، وكانت مفاجأة أثيرت حولها أقاويل كثيرة من أهمها أن الدكتور جابر عصفور- وكان وقتذاك أمين عام المجلس الأعلي للثقافة- قد أبلغ من جانب صنع الله إبراهيم بأنه قد قبل الجائزة، ولكنه أعلن رفضه العلني لها في حشد المثقفين والمفكرين وعلي شاشات التليفزيون وأمام الجميع، تذكرت ذلك وقد رأي أمين عام المجلس حتي اعلانه الاستقالة أن يقرأها علي الحاضرين، ورفضه العمل تحت قيادة وزير الثقافة د.جابر عصفور، وانه قد استقال كذلك من كل المناصب الإدارية المسندة إليه ومنها أمانة بيت الشعر ورئاسة تحرير سلسلة الفلسفة والفكر المعاصر. لكن ما أدهشني أن من أسباب الاستقالة التي أعلنها الأمين العام ان وزير الثقافة د.جابر عصفور قد قام بجولة تفتيشية لمقر المجلس الأعلي للثقافة، فاهتم الوزير بزيارة دورات المياه والتي أغضبه عدم نظافتها، فلم يهتم الوزير- علي حد قول الأمين العام في استقالته- بالمنتج الثقافي. كأن الوزير جاء للتفتيش علي الصرف الصحي- كما جاء نصاً في خطاب الاستقالة!، واتهم الدكتور سعيد توفيق وزير الثقافة بأن عصره لا يختلف كثيراً عن عصر الإخوان من حيث التمكين للمقربين والموالين. كما اعترض الأمين المستقيل علي قيام الوزير بنقل وندب موظفين بالمجلس دون علمه أو أخذ مشورته! ومن جانبه، علق وزير الثقافة د.جابر عصفور علي الاستقالة بأنه لم يطلع عليها. ولكن الوزير اتخذ قراراً بقيام د.فوزي فهمي بتسيير الأعمال وإدارة جلسة الاقتراع السري علي الجوائز واختيار الفائزين بها، وذلك لحين اختيار أمين عام جديد. ومما تقدم من وقائع الاستقالة وما أحاط بها من أسباب ساقها الأمين العام المستقيل ما يؤيد الظن بأن الوزير لم يشأ أن يعلن منذ تولي منصبه انه لن يتعامل مع أمين عام المجلس، كما ان الأمين العام لم يذكر شيئاً من قبل عن نيته الاستقالة، وقراره بألا يعمل تحت قيادة الوزير!، فلدي كل من الرجلين أسبابه التي رآها كفيلة بإنهاء التعاون بينهما في المجلس الأعلي الذي هو عصب العمل في وزارة الثقافة!، وإذا كان الوزير قد استخدم اطلاقاته في ندب ونقل بعض الموظفين في المجلس ودون تشاور مع الأمين العام!، فإن هذا يؤيد الظن بأن نية عدم التعاون كانت قائمة بين الاثنين دون اعلان!، ولم يكن من المناسب أن يسخر من غضب الوزير علي عدم نظافة دورات المياه فيذكر «كأنما قد جاء للتفتيش علي الصرف الصحي»!، كما ان اتهام الأمين العام للوزير بأن عصره لا يختلف عن عصر الإخوان في تمكين الموالين له والمقربين هو اتهام آخر من يوجه إليه هو جابر عصفور، الذي تشهد عليه كتاباته وله بما يؤكد انه ليس الرجل الذي من همومه في تولي وزارة الثقافة تمكين المقربين منه والموالين له في العمل بالوزارة!، وما كنت أحب أن يذهب الغضب بأي طرف من الاثنين إلي اهدار قيمة أو تاريخ!، ولكنني أري أن استقالة الأمين العام قد وضعت حداً واضحاً بين أن يستمر العمل بين الأمين العام والوزير بهذا الصراع الذي لو ظل مكتوماً لكان كارثة علي العمل الثقافي، الذي هو أحوج ما يكون إلي التناغم والانسجام بين الرؤوس الكبيرة القائمة علي هذا العمل.