تحت هذا العنوان، نشرت مجلة الشئون الخارجية الأمريكية التي تصدر كل شهرين وتعتبر الناطق غير الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية. نشرت في عدد مايو بتاريخ 20 مايو تحليلا متميزا للصراع في الشرق الأوسط بقلم طارق عثمان نعرضه لقارئ «الوفد» فيما يلي: يقول طارق إن المنافسات الجديدة تحول شكل الصورة الاستراتيجية للشرق الأوسط فمنذ منتصف القرن العشرين رأي الشرق الأوسط سياسة الهيمنة تروح وتجيء فحقبة الخمسينات والستينات كانت الفترة المصرية، فقد كانت القاهرة عاصمة العالم العربي ومقر زعيمه المحبوب جمال عبدالناصر، ولكن نصر إسرائيل علي مصر وسوريا والأردن سنة 1967 ثم وفاة عبدالناصر سنة 1970 وارتفاع أسعار النفط ارتفاعا صاروخيا بعد حرب سنة 1973 وضع نهاية لهذا العصر، وبينما هاجر ملايين المصريين والعرب الي دول الخليج النفطية الغنية. تحول مركز الثقل العربي معهم.. وكلما ارتفعت ثروات دول الخليج وخاصة السعودية ارتفع نفوذ الرياض، ولكن غزو صدام حسين للكويت سنة 1990 وما تلاه من الحرب الأمريكية عليه من الأرض السعودية، أوضح أن النفط يستطيع أن يعطي دول الخليج نفوذا ولكنهم سيظلون في حاجة لحماية أمريكا. وبعد حرب الخليج في النصف الأول من حقبة التسعينات فإن اتفاق أوسلو بين إسرائيل والفلسطينيين ومعاهدة السلام الإسرائيلية الفلسطينية تسببا في لحظة صعود إسرائيل في الشرق الأوسط وأصبح التعاون الاقتصادي الإقليمي محور النشاط ورفع التفاؤل بالسلام والتداخل الاقتصادي، ولكن اغتيال رابين سنة 1995 أزاح هذا الأمل جانبا ففشلت عملية السلام بنهاية الحقبة حيث وصل اليمين الإسرائيلي للسلطة. ثم كان هناك فراغ جعل الحقبة الأولي للقرن الحادي والعشرين لا يملكها أحد، فلم تكن هناك دولة عربية تملك القوة والموارد أو المصداقية لزعامة المنطقة وانتشر النفوذ الطائفي الذي أشعل ناره احتلال أمريكا للعراق وما تلاه من حرب أهلية وشاهدت الجمهوريات العربية في مصر وسورياوتونس فساد حكم غير مسبوق زعزع القواعد التي بنيت عليها هذه الدول في الخمسينات. أما دول الخليج فقد حاولت الأسر الحاكمة تحويل مدنها الصحراوية لجنة مزدهرة علي غرار هونج كونج وسنغافورة، وتباعدت عن مشاكل جيرانها العرب وبينما كانت الحقبات السابقة تتميز بتفرد دولة واحدة بالريادة فبحلول سنة 2011 غرقت معظم دول المنطقة في المشاكل وعجزت عن وضع مشاريع قومية أو إقليمية جادة وأصبح اللاعبون المسيطرون علي الساحة هم القوي الاقتصادية مثل الشركات عابرة القارات والثروات المحلية الضخمة. وقد هزت الانتفاضات العربية التي جرت خلال السنوات الثلاث الماضية موازين القوي بالمنطقة مرة أخري، فسقطت ثلاث جمهوريات عربية هي: مصر وليبيا وتونس، وشعرت الأسر الحاكمة في الخليج بالتهديد وانتشرت الفوضي حول إسرائيل. وبينما فسر معظم المراقبين الانتفاضات التي وقعت تفسيرا سياسيا للتغييرات التي وقعت فإنهم لم يبرزوا دور القوي الأخري التي لعبت علي الساحة فقد ظهر صراع سلطة أكبر من خلال رماد هذه الثورات والقمع والحرب من تونس الي سوريا وهو ما يعيد صياغة الوضع الاستراتيجي بالشرق الأوسط كلية.. وستحدد نتيجة هذا الصراع شكل الشرق الأوسط أكثر من أي صراع إقليمي آخر أو من صعود أو سقوط أي قوة من القوي التي ظهرت خلال النصف قرن الماضي، فالمواجهة القادمة ستكون علي طبيعة ومستقبل مجتمعات المنطقة من شمال أفريقيا حتي دول الخليج. ففي القلب من هذه التحولات المنتظرة هناك مجموعتان من الدول والقوي السياسية ذات أهداف متعارضة، فالمجموعة الأولي تقودها القوي الإسلامية في إيرانوقطر، وتركيا والجماعات العربية الإسلامية الكبيرة مثل الإخوان المسلمين، وتهدف هذه المجموعة الي تحويل طاقة الثورات العربية نحو أسلمة تدريجية للمنطقة ويختلف تعريف هذه الأسلمة حسب الأيديولوجيات والخلفيات والظروف الاجتماعية والسياسية في كل من هذه الدول. ولكن ما يوحد بين أطراف هذا المعسكر هو الاعتقاد بأن الإسلام السياسي هو الصيغة الوحيدة المقبولة للحكم.. ويعتقد أطراف هذا المعسكر أنه بخلاف شعارات القومية العربية والمجتمع المدني فإن الشعار الإسلامي يستطيع الحصول علي تأييد الأغلبية الكبيرة في المنطقة والاحتفاظ بهذا التأييد، وللترويج لأفكار هذا المعسكر وأهدافه يلجأ أعضاؤه الي شبكة من الإعلام ورجال الدين والمصالح المالية لتجنيد أغلبية المائة وثمانين مليون عربي الذين هم تحت سنة 35 سنة وتحريكهم للمطالبة بتغيير جذري أما المعسكر الآخر الذي تقوده السعودية ودول الخليج مثل الكويت والإمارات والذي تدعمه مصر وإسرائيل والأردن فيجد في هذا التحول تهديدا فهو يعتقد أن الإسلاميين سيدخلون التشرذم في بعض الدول مثل العراق ولبنان وسوريا وسيتسببون في فوضي عارمة في دول أخري مثل مصر، وسيقوون شوكة الجهاديين عبر المنطقة لذا يفضل هذا المعسكر للتقليديين تطورا تدريجيا حريصا ويعتمد هذا المعسكر علي العسكريين وقوات الأمن والإعلام والمصالح المالية وغيرها من الأجهزة التي تدعمها الحكومات لتثبيت رسالة الحفاظ علي القومية الوطنية وحماية بلادهم من الفوضي التي تعم المنطقة. إن المعركة بين هاتين المجموعتين هي صراع جديد في الشرق الأوسط فالصراعات السابقة بين القوميين العرب والإسلاميين مثلما حدث بين عبدالناصر والإخوان المسلمين في الخمسينات أو بين نظام الأسد والإخوان أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات كانت صراعات في قطر أو مع نظام حكم بعينه.. وفي هذه الأثناء كان الصراع العربي الإسرائيلي علي الأرض أساسا والتنافس بين الجمهوريات العربية المدنية وبين ممالك الخليج خلال الستينات مثل ما كان بين عبدالناصر والسعودية كان يدور حول بقاء نظم حكم بعينها أما ظهور المعسكرين المتعارضين حاليا فصراعه هو علي طبيعة ومستقبل مجتمعات المنطقة من شمال أفريقيا حتي الخليج. وسيتحدد الصراع بين هذين المعسكرين بأربعة عوامل أولها مستقبل مصر، فالتسعون مليون مصري تقريبا يمثلون ثلث العرب كلهم، ولعقود طويلة كانت مصر تحدد مسار الثقافة العربية، وقد حدد الإسلام السياسي شكل مصر منذ سقوط «مبارك» وطال سنة حكم «مرسي»، ومنذ إسقاط «مرسي» الصيف الماضي يدور الصراع بين قوي الوطنية الصاعدة التي يكون الجيش عمودها الفقري وبين القوي الإسلامية ولكن الواقع أن الاقتصاد المصري هو الذي سيحدد مسار الدولة، فإذا استطاعت مصر تحت قيادة المشير السيسي، إذا استطاعت أن تضع الإصلاحات الاقتصادية الضرورية علي طريق التنفيذ وضمنها تخفيض الدعم الذي لا يحتمله اقتصادها دون أن تفقد الحكومة شعبيتها وتتسبب في جولة ثورية أخري، فإن مصر تستطيع عندئذ استعادة نفوذها كلاعب رئيسي في المنطقة ودعامة كبري للمعسكر الذي تنتمي له ولكن إذا فشلت مصر في ذلك فإن جولة أخري من عدم الاستقرار ستخيم علي سماء المعسكر التقليدي. والعامل الثاني في تحديد مستقبل الصراع هو مستقبل الجزائر أكبر دول شمال أفريقيا وأغناها، فبفضل ثروتها من النفط والغاز «فالجزائر ثالث أكبر مصدر للطاقة الي أوروبا»، استطاع نظام الحكم العسكري فيها كسب الوقت حتي يظهر بديل لرئيسها العجوز المريض «بوتفليقة» فمن سيحل محله يجب أن يكون مقبولا من الجنرالات الذين أداروا الدولة لأربعة عقود كما يجب أن يكون متفاهما مع الإسلاميين الذين حاربوا الحكومة طوال فترة التسعينيات في حرب قتل فيها مائة ألف ولكن نظام الحكم مازال قائما عن طريق شراء المعارضين، واللعب علي وتر الخوف العام من العودة لعنف فترة التسعينات وهو الخوف الذي يدفع معظم الجزائريين الي قبول القيود المفروضة علي حرياتهم السياسية مقابل الاستقرار والسلم ومع أن النظام الجزائري استطاع الصمود ضد الاحتجاجات الكاسحة في المنطقة منذ سنة 2011 فإنه غير مضمون الثبات فقد تجاوزت قوي الإسلام السياسي الجزائرية نكسة التسعينات ويمكن للأحزاب الإسلامية الجزائرية الجديدة العودة للظهور كمنافس خطير للحكم العسكري، وبالنظر لثروة الجزائر الضخمة فإنها تعطي المعسكر الأول ميزة استراتيجية ضخمة لو تغلب الإسلاميون. ونقف عند هذه الفقرة لنقدم في المقال التالي العاملين الثالث والرابع في هذا الصراع الدائر وباقي تفاصيل هذا العرض المتميز للصراع في الشرق الأوسط. نائب رئيس حزب الوفد