ليس من باب عسكرة العمل المدني.. ولكن من باب تعويض ما فات. إذ بعد أن ثبت في الوجدان أن المصري من أقل شعوب العالم في ساعات العمل حتي ان المصري- تقول الاحصائيات الرسمية- يعمل 27 دقيقة في اليوم.. كان لابد من كسر هذا الاتهام.. والعودة إلي صحيح الدين والدنيا.. العودة إلي العمل. بل أري ان دعوة الوزراء للذهاب إلي مقار عملهم، هو عودة إلي هذا الزمن الجميل، عندما كان المصري يصلي الفجر.. ويسابق الطير إلي العمل.. أي قبل أن تشتد حرارة الشمس. ولكننا نسينا هذه الحقيقة الرائعة وهي التبكير في الذهاب إلي العمل بالحقول. وأتذكر، في مدينتي دمياط، زمارة مصنع الحرير التي كانت تدوي في تمام الساعة السابعة تدعو عمال المصنع لسرعة الذهاب إلي عملهم.. بالمصنع.. وكان ذلك من أهم مميزات شعب دمياط.. أن يبدأوا العمل في تمام الساعة السابعة.. وبذلك أصبحوا مثالاً للجد والانتاج. والمعني الذي أراده الرئيس «السيسي» أن يبدأ الوزراء عملهم في السابعة صباح كل يوم هو أن يستيقظ المسئول مبكراً.. وهذه دعوة للناس- كلهم- أن يستيقظوا مبكراً. هي إذن دعوة للاستيقاظ مبكراً. وكفاية نوم.. وما أضعناه من نوم كثير هي إذن «دعوة للصحيان». وعندما يستيقظ المسئول مبكراً.. سوف يتلوه الذهاب للعمل مبكراً.. هو وكل من يعمل معه.. فالكل جنود في معسكر عمل من أجل الوطن. لأنه لا تقدم إلا بالعمل.. أي العمل مرتبط بالذهاب للعمل مبكراً.. وإلا فما معني أن يدخل المسئول- وكل من معه- مكاتبهم.. ثم يستكمل ويستكملون تواجدهم: نوماً في المكاتب. وهذا هو المعني الأساسي الذي عناه الرئيس «السيسي» الذي دعا الوزراء لأداء اليمين الدستورية في السابعة صباحاً.. بينما كنا تعودنا علي أن يؤدي الوزراء اليمين في العاشرة صباحاً وربما بعد الظهر. كان الهدف أن يحس المسئول أن خير العمل هو ما بدأ مبكراً. وأن يرتبط بالتبكير الالتزام.. واننا بذلك نبدأ عصراً جديداً.. واعترف ان هذا من الأمور الصعبة بعد أن كان المسئول لا يذهب إلي عمله إلا عند الظهر. حقيقة نعلم أن كثيراً من الوزراء كان لا يغادر مكتبه إلا عند منتصف الليل.. وأن كثيراً منهم يحمل معه حقائب مملوءة بالأوراق والملفات كلها تحتاج للاطلاع والتوقيعات.. والحسم.. ولكنه لو ذهب مبكراً ربما أنجز كل ذلك في ساعات النهار المبكرة.. وهذا هو المعني المقصود. هنا، هل نحتاج لتذكير المصريين أن العمل في كل دول الخليج والجزيرة العربية يبدأ في تمام الساعة الثامنة صباحاً.. وينتهي في الثانية ظهراً، بسبب طبيعة الحر.. كما ان أوروبا تبدأ العمل في الساعة السابعة أو الثامنة، ويستمر العمل حتي الساعة السادسة.. مع ساعة استراحة لتناول وجبة غذائية خفيفة.. وكذلك يفعل الأمريكان.. وهذا هو سر تقدم كل هذه الدول، التي تطبق مبدأ أن العمل عبادة.. بينما- ونحن المسلمين نسينا أن هذا الشعار، إنما هو شعار إسلامي.. ولكننا نسيناه. وإذا كان المصري عندما يعمل في الخليج أو الجزيرة يلتزم بساعات العمل المبكرة. فانه يعرف انه ان لم يلتزم بالعمل المبكر.. سوف يكون الطرد من العمل هو القرار الطبيعي.. فلماذا يلتزم المصري بمواعيد العمل المبكرة في الخارج.. بينما هو يتهاون بهذه المواعيد.. داخل الوطن.. هل هو الخوف من قرار «التفتيش» أي الطرد.. لماذا.. أم اننا تعودنا علي الاجازات والراحات.. وعلي إضاعة الوقت ما بين إفطار- في موقع العمل- وقراءة الصحف وشرب الشاي والقهوة.. بينما هناك مواعيد محددة للعمل بالخارج لشرب الشاي والقهوة. لقد نام شعبنا كثيراً في الماضي.. وهنا أسألهم وأضع أمامهم قول الشاعر الفارسي «الخيام»: «ما أطال النوم عمراً.. ولا» وإذا كان الغرب حاول في الماضي «تنويم» الشعب الصيني.. ولو بالمخدرات والأفيون خشية منه.. فإن هذا الشعب الآن نجح بالإدارة الحازمة في أن يتغير تماماً.. حتي أصبح اليوم من أكثر شعوب العالم انتظاماً في العمل.. حتي ان انتاج الشعب الصيني يغزو الآن حتي أكبر الدول الصناعية والزراعية في العالم كله. وكذلك غير الصين، هذه هي كوريا التي كانت تأكل كل ما هو فوق الأرض وما هو تحت الأرض.. ها هي الدخل القومي للفرد ينافس الدخل القومي في دول شمال غرب أوروبا، الغني والغنية.. بل ويفوق كثيراً من دخل المواطن الأمريكي.. ونفس الشيء في سنغافورة التي كانت مجرد محطة تموين للسفن إلي جنوب شرق آسيا وتحولت إلي واحد من أكبر موانئ العالم. كل ذلك بالعمل الجاد.. المبكر. ولا نقول بما يشبه نظام معسكرات الجيوش التي تتحرك بالدقيقة والثانية.. ولكن بالعمل، لكي يفوز المصري بنصيب أكبر من الدخل له.. ولعياله. وهذا ما عناه الرئيس «السيسي» بدعوته للوزراء بالعمل مبكراً.. حتي يصبحوا قدوة لكل المصريين. فلا شيء تتقدم به الدول أفضل من.. العمل. وأهلاً بوزراء السابعة صباحاً.. وأهلاً بكل من يسير علي منوالهم.