خسر الرئيس المصري المخلوع محمد مرسي كثيراً من الأصوات الشعبية في العمق العربي بعد رحلته إلى إيران، حتى ولو صور مناصروه بأن ترضِّيه على الصحابة خلال كلمته التي ألقاها في قمة عدم الانحياز التي عُقدت في طهران صيف عام 2012، بمنزلة النصر العظيم، ذلك أن ما أعقب تلك الزيارة. قد مثّل طعنة في خاصرة الجهد العربي المشترك في مواجهة أزماته التي تدعمها إيران، ابتداء من دورها في دعم التمرد الحوثي في اليمن، مروراً بالعراق ولبنان، وصولاً إلى جرح سورية النازف، فقد كان الاحتفاء بزيارة أحمدي نجاد إلى مصر ورفع صور الخميني وخامنئي، القشة التي قصمت ظهر كل الأبواق التي كانت تمهد إلى دور محوري، يقلب كيانات الوطن العربي الكبير رأساً على عقب، رافعاً شعار دولة الإسلام، في طريقه لتذويب فكرة الوطن والمواطنة، نحو التربع على عرش دولة الخلافة المزعومة، ما دعا شاعرهم إلى القول: ولستُ أرى سوى الإسلام لي وطناً*** الشام فيها ووادي النيل سيان يغض كثيرون الطرف (خدمة لأغراضهم) بالطبع، عن أن دولة مثل السعودية، التي تزعمت جهود من أخذوا بيد الدولة المصرية بعد محنة ثوراتها، كانت أبرز الداعمين لها حتى و«الإخوان المسلمون» يعتلون سدة الحكم فيها، فالتاريخ وشرفاء مصر -وليس المتحزبين- لن ينسوا البلايين الثلاثة التي حولتها السعودية فور تولي مرسي الرئاسة، دعماً منها للاقتصاد المصري المنهار، أو البليون دولار الذي غذت به بنك مصر المركزي، كما أنهم سيذكرون للسعودية موقفها حين وقّعت مع حكومة مرسي اتفاق الربط الكهربائي، إسهاماً منها في حل واحدة من أهم المعضلات التي واجهته، وهي انقطاع الكهرباء، مع الأخذ في الاعتبار أنها قامت بذلك من باب مساعدة الأشقاء المستحقة فقط، ولم تطالب في مقابل هذا الدعم بأية مواقف، على رغم أن الجميع كان قد شاهد هشاشة وتضعضع «الإخوان» أمام طموحاتهم في البقاء في السلطة، حتى ولو كلفهم ذلك التخلي بصورة فجة عن مواقف طالما انتقدوها على سابقيهم يوم كانوا معارضة، وما انصياع حكومة «الإخوان المسلمون» السريع طمعاً في «جزْرة» الأميركان، إلى مطلب الاعتراف الكامل غير المشروط باتفاقية كامب ديفيد، أو تحليل ما كان في أبجدياتهم محرماً، كالفوائد البنكية التي تترتب على الاقتراض من صندوق النقد الدولي، أو رعاية حكومتهم الموقرة لاتفاق الهدنة بين حركة حماس «الإخوانية» والإسرائيليين عام 2012، الذي تنازلت بموجبه حماس -للمرة الأولى- عن مسمى «المقاومة» لمصلحة «العمليات العدائية» باقتراح من حكومة مرسي، كما أنها تعهدت بوقفها، إلا شاهداً على ما كان في استطاعة السعودية أن تبتزهم به، أسوة بالمواقف السابقة أو غيرها من مواقف لبلدان قدمت الدعم لهم عبر قروض كانت ستكلف مصر وترهق موازناتها ردحاً من الزمان. تلك المواقف تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، لكل منصف وباحث عن الحقيقة، أن موقف الحكومة السعودية من تولي حزب «الإخوان» مقاليد الرئاسة في مصر، لم يكن معادياً أبداً، فاليد التي امتدت وفتحت لهم الأبواب في أتراحهم سابقاً، لم تكن لتغلقها عنهم لحظة أفراحهم، لكنهم حين عضّوها، سواء عن طريق التأليب على نظامها الحاكم عبر أعوانهم في الداخل، مستغلين فتنة «الربيع العربي»، التي رأوا فيها ساعة الصفر لتحقيق أحلام الانقضاض، أم عن طريق التحالفات المشبوهة مع الخارج المعادي، التي لم تكن تخدم في حقيقتها سوى مصالح حزبهم وطموحاته الضيقة، فإنه لم يكن لها بد من أن تحذِّر منهم، ثم تتعامل معهم بعدما كشفوا عن نواياهم، بأسلوبهم نفسه في التعامل معها، «ويا روح ما بعدك روح» على رأْي إخواننا المصريين. كذلك كانت دول الخليج، باستثناء دولة قطر التي كانت ولا تزال، تلعب الدور ذاته الذي رسمته منذ اندلاع الثورات في العالم العربي، بتبنيها الراسخ لمواقف جماعة الإخوان، فالإمارات على سبيل المثال لم يتوقف دعمها لمصر حكومةً وشعباً منذ ثورة يناير وحتى اليوم، لكنها راجعت سياساتها بعد القبض عن الخلية السرية الإخوانية، التي كشفت التحقيقات والمحاكمات عن مخططاتهم لتغيير نظام الحكم فيها، تفعيلاً لمقررات الحزب. وعلى النهج ذاته كانت تسير دولة الكويت، التي اندلعت فيها مظاهرات حشدت إليها الأحزاب والحركات الإسلاموية، التابعة لتنظيم «الإخوان المسلمون»، كانت ستتسبب لولا لطف الله ثم سقوط دولة «الإخوان» في مصر، بما لا تُحمد عقباه ولا يتمناه إلا حاقد على الكويت وأهلها. بالمناسبة، قطر لم تكن في منأى عن خطر «الإخوان» أبداً، فالناظر بتفحص لن يجد صعوبة في اكتشاف أن عزلة قطر الحالية وغير المسبوقة عن عمقها وأهلها في الخليج أو العالم العربي قد تسبب لهم فيها ركضهم خلف أضغاث أحلام «الإخوان»، ودعمهم لها غير المبرر. كل تلك العوامل وغيرها مما يمكن أن يُضاف إليها، سواء ذلك الانقسام الحاد الذي فرق المصريين فترة حكم «الإخوان»، وبات يهدد أمن الدولة المصرية وهيبتها ومستقبلها، وهو ما أخرج جموع الملايين ترفع شعار الثورة على نتاج الثورة، أم ذلك الالتفاف المشهود مما لا تخطئه سوى عيون الظلاميين وأصحاب الأجندات، على شخصية وزير الدفاع السابق رئيس مصر الحالي عبدالفتاح السيسي، كان من أهم أسباب وقوف الأشقاء الحقيقيين مع مصر البلد، بعيداً عن أي حسابات أو أغراض تغلف الدفع بها إلى مستقبل أفضل، تستحقه مصر الحضارة ومصر الشعب. الرهان على السيسي ليس رهاناً على الشخص، ولكنه رهان على الأمل، رهان على مستقبل شاء له أعداء مصر أن يضعف مكانتها ودورها الإقليمي، وشاء الله له، والمخلصون ممن قلوبهم عليها، أن يخالف جميع التحالفات التي سعت إلى تفتيت مصر، حتى عادت هيبتها وهيبة مؤسسة جيشها العريق -هدف المتربصين الأول- ليردد المصريون للجميع وبكل فخر: إن الشعب الذي أسقط مبارك وحكومته، ومرسي وزمرته، كان في استطاعته إسقاط السيسي، لكنه لا يريد يا «إخوان». نقلا عن صحيفة الشرق الاوسط