مع بداية الجمهورية الثالثة والإعلان عن فوز «السيسي» بالرئاسة ومع الاحتفال بتنصيبه طالعتنا الصحف وشاشات الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي بصورة صادمة عن واقعتي تحرش في ميدان التحرير الذي كان شاهدا على دماء ذكية سالت للمطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، وأصبح شاهدا على الخسة والنذالة والتدنى الأخلاقي وغياب النخوة من الرجال شهود الواقعتين، وأكد خبراء ومحللون أن القضية لها أبعاد سياسية للضغط على المرأة بفئاتها وتشويهها لما لها من كتلة تصويتية هائلة وقدرتها الساحرة على قلب الموازين، واعتبر الخبراء أن الواقعة نوع من الضغط للتأثير عليها ووصمها بوصمة عار حتى لا تفكر فى مكان شهد ثورتين. فى البداية يقول اللواء حمدى بخيت الخبير الأمنى والاستراتيجى إن واقعة التحرش الجنسي ينظر اليها المحللون والخبراء السياسيون على أنها قضية سياسية كما ينظر اليها بأكثر من منظور لطبيعة الأزمات التى تمر بها البلاد. وأضاف «بخيت» أن الواقعة تعكس جوانب متعددة أهمها البعد السياسي بالحط من المرأة المصرية والتحقير من شأنها لما قدمته من مشاركة سياسية كبيرة منذ بداية ثورة يناير حتى الآن، وأكد «بخيت» أن الواقعة مدبرة تستهدف المرأة المصرية، كما أن القضية تحمل أبعادا اجتماعية أيضا نتيجة الانهيار الأخلاقي فى المنزل والمدرسة..وقال إن خلال السنوات الأخيرة انهار العديد من القيم فى المجتمع بسبب الانحدار الأخلاقى للأسرة المصرية لعوامل مادية ومعنوية كذلك تراجع المستوى التعليمى والثقافى فى المنزل والمدرسة. وهناك البعد الإنسانى وارتفاع معدل العنف فى المجتمع. ويرى «بخيت» أن القضية تحمل جوانب متعددة لأزمات سياسية واجتماعية وثقافية.. والحل هو إعادة روح الأخلاق المصرية من جديد في الأسرة والمدرسة. تحرش سياسي ومن جهته يرى الدكتور جمال زهران استاذ العلوم السياسية بجامعة قناة السويس أن الواقعة ليست تحرشا جنسيا بل إنها واقعة تحرش سياسي.. وقال «زهران» إن الواقعة تقوم على فكرتين الأولى فيها انتهاك للمكان وقدسيته وهو ميدان التحرير الذى كان شاهدا علي ثورتين عظيمتين قامتا بتغيير مجرى الحياة السياسية, لذلك يحمل هذا المكان الذى شهد سقوط ضحايا وقتلى مكانة خاصة فى قلوب المصريين.. مؤكدا أن هناك من يريد تدنيس هذا المكان الغالى وتشويهه مثل الإخوان المسلمين أو فلول الحزب الوطنى.. وقال «زهران» إن الفكرة الثانية القائمة على هذه الواقعة هو كسر إرادة المرأة المصرية التى شاركت بقوة فى اكتمال استحقاقات خارطة الطريق بعد ثورة يناير وكسر شوكتها وتشويهها سياسيا لما كان لها دور عظيم فى الثورة والمليونيات فهى كانت الحاضر الأول.. ويواصل قائلا إن ميدان التحرير ثابت فى وجدان الشعب وأحداث مثل هذه الواقعة التى تمت إذاعتها بدقائق فى قناة الجزيرة لتشويه الميدان والنيل أيضا من المرأة سواء فتاة أو سيدة والتحقير من شأنها حتى لا تكون الحاضر الأول فى استكمال استحقاقات خارطة الطريق. مطالبا بإجراءات مجتمعية رادعة والإعدام لكل من يثبت عمليا تورطه فى مثل هذه الوقائع وفى مكان عام. لأنها واقعة لا تنال من المرأة المصرية فقط بل كرامة وهيبة الدولة, وقال: أرفض المساس بالمرأة وتصفية الحسابات السياسية على حساب إرادتها لإحباطها. وطالب «زهران» ان على الدولة أيضا ان تعالج هذه الظاهرة بموضوعية وتحل أزمة الشباب خاصة البطالة المنتشرة وتفريغ طاقات الشباب وتوظيفها فى بناء الدولة. كما أن على الأسرة عبئا كبيرا فى التربية وترسيخ القيم والأخلاق المجتمعية. جرس إنذار وقال حافظ أبوسعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان إن ما حدث في ميدان التحرير هو بمثابة جرس إنذار لهذه الظاهرة الخطيرة وما تضمنه من إساءة للمرأة المصرية ونضالها الوطني بجانب الرجل، وأن ما حدث هو جريمة لا يمكن السكوت عليها ولابد أن ينال مرتكبوها العقاب المستحق لردعهم عن تكرار فعلتهم النكراء. كما طالب «أبو سعدة» بمبادرات لرصد وفهم حالات الاعتداء الجنسي وتعبئة المجتمع للتصدي لهذه الجريمة، وعلى وزارة الداخلية أن تعلن استراتيجية لحماية المرأة بالتواجد الأمني الكثيف في الشارع وتحديد خطوط تليفون للتدخل السريع في حالة التعدي لمواجهة الاعتداء الجنسي. وتؤكد المنظمة المصرية علي ضرورة حزمة القوانين الخاصة بمواجهة الاعتداءات الجنسية والتحرش الجنسي، والتي قام الرئيس السابق عدلى منصور بتغليظ عقوبته، إذ ينص القانون على أن الرجال الذين يتحرشون بالنساء أمام الناس، أو خفية سيواجهون عقوبة السجن لمدة تتراوح بين ستة شهور والخمس سنوات، وسيحكم بالمدة الأطول على من يرتكبون جرائمهم من موقع قوة، سواء وظيفيا أم فعليا. كما تطالب المنظمة باتخاذ الاجراءات اللازمة لإنهاء القبول المجتمعي لظاهرة الاعتداء الجنسي بأشكاله، وهو الإجراء الأكثر أهمية نحو تجريم الظاهرة والحد منها لا سيما مع زيادة انتشارها مؤخراً. كما أعرب ناصر أمين رئيس المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة عن إدانته الجرائم البشعة التى تطال الكرامة الانسانية وتنتهك الحق في السلامة الجسدية في آن واحد -أيا كان ضحاياها وأيا كان المتورطون في ارتكابها - خصوصا جريمة التحرش الجنسي، وجريمة التعذيب، واللتين تشيران بوضوح الى ضرورة تشديد العقوبات، إضافة الى تدابير وإجراءات توعية واجتماعية وتعليمية واقتصادية لم يتم اتخاذها حتى الآن. ويرى أنه من الجيد ما تشهده مصر حاليا، من توافق في الإرادة السياسية والإرادة المجتمعية، تجاه رفض وإدانة جريمة التحرش الجنسي، واتخاذ خطوات على الجانب التشريعى، بشأن تجريم التحرش الجنسي ومعاقبة المتورطين في ارتكابه. ظواهر غريبة ومن جهة أخرى قالت الجمعية الوطنية للدفاع عن الحقوق والحريات إن هناك ظواهر غريبة طارئة على المجتمع المصري تزداد تدريجيا وأنه على الدولة وعلى المجتمع مواجهتها إذا لم تتم مواجهة مثل هذه الجرائم التي استحدثت بقصد أو بدون قصد فإنها سوف تنتشر انتشار النار في الهشيم وهي جرائم أخلاقية مجتمعية مثل: (التحرش، هتك العرض، زنا المحارم، الاغتصاب) وألقت الجمعية الضوء على الأسباب المؤدية إلى حدوث تلك الظواهر وكيفية مواجهتها والقضاء عليها ولكن لا حياة لمن تنادي!! حتى وصل الحال إلي ما آل إليه على مرأى ومسمع من العالم الذي كان يشاهد مراسم تنصيب الرئيس الجديد وكانت الوقائع المشينة التي أحدثت غصة في حلوقنا أفسدت على المصريين فرحتهم وصدرت صورة للعالم أن 99% من النساء في مصر يتم التحرش بهن. ورصدت الجمعية الحقوقية وقائع التحرش والاغتصاب في المجتمع المصري بعنوان (المرأة وجرائم الاعتداء على العرض.. حقوق مهدرة) حدوث 151 حالة اغتصاب، 26 حالة تحرش جنسي، 14 حالة هتك عرض في 2008، أى عندما كان الأمن مستتبا نوعا ما بمعنى أن الأمور من الناحية الأمنية كانت مستقرة نوعا ما فما بالنا مع ثورة 25 يناير وما تلاها من فوضي أمنية وأخلاقية حيث تم اتهام ميدان التحرير والمتظاهرين بأن هناك وقائع اغتصاب وهتك أعراض وعلاقات جنسية كاملة في الميدان من كلا النظامين البائدين (نظام مبارك، من نظام الإخوان) وكان الهدف من النظامين واحدا وهو عدم خروج المرأة للمطالبة بحقوقها والضغط على ذويها بمنعهم من المشاركة في إدارة شئون بلادها نظرا لكتلتها التصويتية وقوة وجودها في المجتمع وقدرتها على التأثير في الخريطة الانتخابية بعد أن وعت أهمية ذاتها وقدرتها على التغيير فكان ما يحدث لها من انتهاكات جسدية وقمعية إما نوعا من التأثير عليها لعدم النزول أو نوعا من العقاب لها على النزول وكذلك وصمها بالعار حتى تظل هي وذويها محني الرؤوس، وحذر التقرير استغلال حالة الفوضى التي يمر بها الشارع وانتشار البطالة والمخدرات والتكنولوجيا والموبايلات الصيني رخيصة الثمن التي أصبحت في أيدي الشباب من المراهقين وتداول مقاطع الفيديوهات الجنسية المثيرة وانتهاز فرصة وجود تجمعات للقيام بمثل تلك الأفعال الدنيئة دونما متعة أو خجل أو خوف من رادع وعلى الوجه الآخر هناك من ينتهز فرصة حدوث مثل هذه الوقائع وبدلا من الذود عن المجني عليها والدفاع عنها تصويرها ورفعها على مواقع «اليوتيوب» والتواصل الاجتماعي واستغلالها سياسيا والترويج لها بشكل استفزازي بهدف كسر المرأة المصرية وإجبارها على المكوث في المنزل حبيسة الخوف من النزول إلى الشارع من المتحرشين والمتفرجين. كما طالب المجلس القومى لحقوق الإنسان بإجراء محاكمات عاجلة وعادلة للمتهمين لردع كل من تسوّل له نفسه القيام بمثل هذه التصرفات الإجرامية البشعة، كما طالب المراكز البحثية ذات الصلة مثل المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية. بالتعرف على أسباب ظاهرة التحرش الحقيقية وكيفية التصدى لها ليس فقط لأنها تضر بسمعة مصر العالمية، بل لأنها تعتبر بالأساس عدواناً على المرأة المصرية وهى الزوجة والأم والأخت والبنت فى كل أسرة وانتهاكاً لحقها فى العيش الآمن الكريم.