لا أدري لماذا أربط دائماً بين سقوط بغداد منذ أيام المغول علي ايدي هولاكو عام 1258م.. وسقوط القاهرة في أيدي العثمانيين أيام سليم الأول عام 1517.. ولماذا أري أن سقوط بغداد أيامها كان بداية الانهيار الاسلامي.. تماماً كما أن سقوط القاهرة بداية لسقوط كل الدول الاسلامية في يد العثمانيين الأتراك.. لماذا الربط بين سقوط المدينتين.. وهل تتحول بغداد - بعد أن كانت مدينة المليون نسمة أيام العباسيين إلي مدينة لا يسكنها سوي 30 ألفاً فقط أيام سقوطها في يد العثمانيين ثم إلي 15 ألفاً فقط خلال القرن 18، وتحت حكم العثمانيين أيضاً.. تماماً كما تحولت القاهرة من قاعدة لامبراطورية تحكم من شمال سوريا إلي مدخل البحر الأحمر في اليمن.. وحتي برقة في ليبيا الآن.. لتصبح مجرد مدينة تكاد تموت تحت حكم هؤلاء العثمانيين.. وهل ما يجري الآن هو بداية النهاية لعصر الاستقلال العربي؟. نقول: رغم أن البعض - من داخل العراق وخارجه - يترحمون الآن علي عصر صدام حسين، الذي اعتبروه عصر رخاء حقيقي، وإن تم ذلك علي جسد وأرواح الحرية في العراق، وغيره.. إلا أن صدام حسين هو المسئول الآن - بسبب سوء إدارته وتصوره للعظمة - عما يحدث في العراق.. بداية من حرب السنوات الثماني ضد فارس الايرانية من 1980 إلي 1988 إلي جريمته ضد الكويت في اغسطس 1990 ثم تكون التحالف الغربي ضده لطرد قواته من الكويت.. التي خسر فيها العراق اكثر من 100 الف جندي وضابط في هذه الحرب الجريمة.. ثم كان ما كان من تحالف غربي آخر ضد العراق انتهي إلي تدمير كل ما بقي من قوة للعراق عام 2003.. المهم: ماذا لو سقطت بغداد هذه الايام تحت أقدام الارهاب العصري المسمي «تنظيم الدولة الاسلامية في بلاد العراق والشام» واختصارها «داعش» وهل تتداعي الدول العربية - أو ما بقي منها مستقلاً - للتصدي لهذا الارهاب لتمنع تقدم هذا الارهاب ليضرب السعودية ودول الخليج، وهذا هو الهدف من خطط لهذه المنظمات الارهابية، وبعضهم للاسف نشأوا في شبه الجزيرة العربية. والسؤال الأهم هنا: هل تكرر مصر دورها التاريخي الآن.. بنفس ما فعلته عام 1258 ميلادية، عندما تصدت - بإمكانياتها وحدها - للغزو المغولي الذي استولي علي بغداد وكل العراق.. ثم تقدم غرباً إلي احتلال كل المدن الرئيسية في الشام من دمشق وحمص وحماة..وتقدم أكثر إلي فلسطين التي كانت تحت الادارة المصرية طوال العصر الايوبي.. وهل عندنا الآن من هم أمثال سيف الدين قطز والظاهر بيبرس البندقداري اللذين قادا جيوش مصر «ومصر وحدها» لتتصدي لهذا الغزو المغولي.. ونجح جيش مصر بهذه القيادة في إنزال أول هزيمة بالمغول عند معركة عين جالوت في فلسطين، وبذلك نجح جيش مصر في حماية مصر.. بل وكل اوروبا من هذا الخطر المغولي.. وهل يتكرر الدور الانقاذي الذي قام به جيش مصر ضد المغول ثم ضد التتار بقيادة تيمور لنك الذين دمروا بغداد وتقدموا إلي الشام وفلسطين.. وكان من نتيجة ذلك سيطرة المغول والتتار والفرس علي العراق.. إلي أن سقطت بغداد نفسها في يد الاتراك علي يد سليمان القانوني عام 1638 وأصبحت - كما مصر - جزءاً من الدولة العثمانية. أخشي ما أخشاه أن تندفع مصر - الآن - لتسترد دورها القومي الاقليمي.. وتتقدم بدافع من دورها التاريخي لمحاولة انقاذ العراق.. ثم ننطلق لانقاذ سوريا.. بينما مصر نفسها تحتاج من يأخذ بيدها.. وأخشي أن يكون المخطط هو تزيين طريق التقدم لإنقاذ العراقوسوريا بينما هي نفسها في بداية عملية النقاهة.. ولم تبدأ بعد في النهوض.. إذ المخطط الحالي يستهدف سحب مصر إلي هذا الدور التاريخي الاقليمي، لكي يتم تدميرها بالكامل - قبل أن تنهض - لأن الظروف الآن والقوي المتآمرة ليست مثل القوي التي واجهتها مصر في القرون الوسطي، أيام الصليبيين.. ثم أيام المغول والتتار.. إن هناك في الشرق منا - مثل إيران واسرائيل - وفي الشمال منا: مثل تركيا ثم المخطط الأخطر - أمريكا - من يعمل الآن علي سحب مصر إلي حرب هدفها الظاهري انقاذ العراقوسوريا.. وربما ليبيا أيضاً.. لكي تستنفد كل هذه المعارك قوة الجيش العربي الوحيد الذي بقي سليماً فإذا تم تدميره.. تدخل المنطقة بالكامل تحت مظلة -حماية اسرائيل ومعها إيران.. والأولي هدفها ان تحيا للابد في أمان تفرض سيطرتها علي كثير من بلاد المشرق، حتي قلب افريقيا.. والثانية «ايران» هدفها نشر المذهب الشيعي علي حساب المذهب السني.. ويصل إلي البحر المتوسط وتعيد احياء امبراطورية الفرس القديمة أيام دارا وقمبيز وغيرهما.. مرة أخري - ولن تكون الأخيرة - إياكم والاندفاع إلي أي حرب في العراق أو سوريا أو ليبيا، ولو تحت دعاوي حماية الأمن القومي المصري أو الأمن القومي العربي.. وعودوا إلي مقالي أمس.. فأنا أخشي سحب مصر إلي معركة فاصلة تكون فيها مصر هي الخاسرة..