حزنت علي عبدالله كمال، ولكن حزني علي مصر كان أكبر.. فبمجرد إذاعة خبر وفاة الرجل وانهالت التعليقات علي تويتر، وللأسف كانت في أغلبها تحمل شماتة في موت الرجل وخوضاً في سيرته وسباً في شخصه، وللأسف الأشد كان أغلب أصحاب هذه التعليقات من شباب لأنهم الأكثر استخداماً لهذه الوسيلة الالكترونية، وهذا ما أحزنني علي حال مصر بأن يكون حال عدد كبير من شبابها بهذا المستوي الأخلاقي المتدنى. ورغم اختلافي الشديد مع المرحوم، ورغم أنني لا أعرفه علي المستوي الشخصي.. ورغم كل ذلك حزنت أشد الحزن علي الفقيد وترحمت عليه، بل مازلت أدعو له في كل صلاتي بالرحمة والمغفرة والجنة، فالرجل أخطأ وأصاب، عمل واجتهد.. لكن في النهاية كانت له وجهة نظره وقناعاته، تتفق معها أو تختلف معها إلا أنك في النهاية لا تملك إلا احترامها. فعبدالله كمال رغم إخلاصه لنظام مبارك، إلا أنه لم يحمل سلاحاً ضد الثورة، وانزوي الرجل في عمله مديراً لمكتب جريدة عربية دون أن يسخر قلمه بالتهجم علي الثورة، رغم إخلاص الرجل وقناعاته المؤيدة والمساندة لنظام مبارك. فهل يستحق الرجل هذه الشماتة التي تجسد انحطاطاً أخلاقياً فاق كل وصف، والمتابع لشبكة الإنترنت بكل محتوياتها يجد أخلاقاً شبابية تحزن النفس، إهانة لكل الرموز.. إهانة للوطن نفسه والسخرية منه.. لا تجد أية خطوط حمراء يضعها هؤلاء الفتية الصغار.. كل شيء مهان سباب وشتائم حتي ضد الجيش المصري والقضاء والشرطة وحتي الأزهر الشريف، وبعد إزاحة الإخوان وسقوط عرشهم اعتبروا الفضاء الالكتروني ملعبهم الأول فعاثوا فيه فساداً وملأوه قذارة وانحطاطاً لم تشهد له مصر مثيلاً، فمبجرد نشر رأي كاتب أو سياسي لا يعجبهم تنهال عليه الشتائم من كل حدب وصوب والتي تطال الأب والأم وتلويث السمعة والشرف، باختصار طفحت الشبكة العنكبوتية بكل ما تحمله أخلاقياتهم من حقارة وسفالة وبعد عن كل قيم وأخلاقيات الإسلام، بل إنهم حوَّلوا الشبكة العنكبوتية إلي شبكة مجاري! ويقيني أن أكثر من 95٪ ممن شمتوا في موت الكاتب المرحوم عبدالله كمال هم من هذه العصابة الإخوانية، والبقية الباقية هم من بعض عديمي الذمة والضمير من الشباب الذي يدعي الثورية ويدعي النضال المدفوع الأجر. فالرجل رحمة الله عليه مع اختلافنا مع كل ما كان يكتب إلا أنه لم يبع ضميره ولا أخلاقه أبداً، ولم يتاجر بمبادئه وإلا لو فعل مثلما فعل غيره من مؤيدي النظام السابق وماسحي الجوخ لمبارك ونظامه لأصبح اليوم من كتاب الثورة ورواد الثورية، فلم يخن الرجل مبادئه، ولم يزيف قناعاته حتي اللحظات الأخيرة في حياته، ولم يقفز من سفينة مبارك مثل آخرين تمتعوا بخيره وبمجرد سقوطه داسوه بالأقدام. كما أن للرجل آثاراً ومواقف إنسانية تدل علي رجولة وشهامة نادرة سمعتها من زملائي الأعزاء حنان أبوالضياء وعماد الغزالي، فقد كان الرجل صاحب صاحبه وراجل بحق، لا يتخلي عن صديق وقت الشدة، لا ينظر لأي خلاف مع خصومه ومنافسيه. رحم الله عبدالله كمال وانقذ مصر من تدني الأخلاق وفقر الوفاء عند الكثير من شبابنا الذين لا يدركون أن رسول الله صلي الله عليه وسلم، صلي علي جثمان عبدالله بن أبي ابن أبي سلول، رغم أن الرجل خاض في شرف الرسول وطعن في شرف أم المؤمنين عائشة في حادث الإفك الشهير، الذي نزل فيه قرآن يكذب أحاديث المنافق الأكبر عبدالله بن أبي بن سلول، ومع كل ذلك أصر الرسول الكريم علي الصلاة علي جثمانه رغم استنكار الصحابة واستغرابهم، والرسول أيضاً هو من وقف عند مرور جنازة اليهودي، ولما قالوا له إنه يهودي قال قولته الشهيرة أوليس بشراً! فأين هؤلاء من أخلاق الرسول.. أين هؤلاء من أخلاق المصريين الذين يترحمون علي كل ميت وعندما تتحدث عن أي شيء بسوء تجدهم يذجرونك قائلين يا أخي اذكروا محاسن موتاكم.. رحم الله عبدالله كمال وأحسن مثواه.. أرجوكم اقرأوا معي الفاتحة علي روحه.