نحن على أعتاب الاستحقاق البرلمانى لانتخاب أول مجلس نواب بعد ثورة 30 يونية، الذين يطالبون بتأجيل الانتخابات بغرض اتاحة الفرصة أمام الرئيس لترتيب البيت الرئاسى وحل القضايا العاجلة وجهة نظرهم مقدرة، لكن الدستور حدد مواعيد الانتخابات التالية للانتخابات الرئاسية بأن تبدأ إجراءاتها خلال مدة لا تجاوز ستة أشهر من تاريخ العمل بالدستور، وبما أن الدستور الجديد صدر يوم 18 يناير الماضى، فهذا التاريخ يلزم لجنة الانتخابات البرلمانية بأن تبدأ إجراءات انتخاب مجلس النواب على الأقل قبل 18 يوليو القادم، وبدء الإجراءات يختلف عن يوم التصويت فى الصناديق والذى سيأتى بعد ذلك بفترة تحددها اللجنة القضائية المسئولة عن إجراء العملية الانتخابية، وتقريبًا فى شهر أكتوبر القادم يكون مجلس النواب قد تشكل ويبدأ ممارسة مهامه وهى كثيرة جدًا فى الدستور الجديد وغير مسبوقة. ولا يمنع ذلك قيام الرئيس السيسى بإجراء تعديلات إذا رأى أنها ضرورية حاليًا على مشروع قانون مجلس النواب والاستجابة لرغبة الأحزاب السياسية لإنهاء الأزمة التى أثارها نظام الانتخابات الذى وضعته اللجنة الوزارية التى شكلها الرئيس السابق عدلى منصور، فانتهى إلى ضرورة انتخاب 420 نائبًا بالنظام الفردى، و120 بالقائمة ويعين رئيس الجمهورية 27 نائبًا ليكون مجموع نواب البرلمان (آخر كلام) 567 نائبًا، والنظام الذى أخذ به القانون هو الجمع بين النظامين الفردى والقائمة المغلقة بنسبة الثلثين للفردى والثلث للقائمة. وكان الرئيس السابق عدلى منصور قد صدق على القانون فى الساعات الأخيرة لحكمه. معظم الأحزاب السياسية استقبلت هذا النظام بالاحتجاج ومازالت واعتبرته يتعارض مع هدف التحول الديمقراطى ويمهد الطريق بتشكيل مجلس نواب لا يختلف عن مجلس 2010 الذى جاء كل نوابه من الحزب الوطنى ومهد لثورة 25 يناير ورأت الأحزاب أن زيادة نسبة تمثيل الفردى يضعف الحياة الحزبية ويؤدى إلى سيطرة رأس المال ورجال الأعمال على مقاعد البرلمان، وكانت غالبية الأحزاب تأمل ومازالت باجراء الانتخابات بنسبة 50٪ فردى و50٪ قائمة نسبية لتقوية الأحزاب السياسية ومنحها الأمل فى تداول السلطة فى ظل الدستور الذى يعترف بقيام النظام السياسى على أساس التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمى للسلطة واختيار رئيس الحكومة من الحزب أو التكتل الحائز على الأغلبية البرلمانية. وترى الأحزاب أن النظام الذى أقره القانون يحرمها هذا الحق. فى الواقع أن هناك «عك» حدث من البداية يؤدى إلى خلق كيان برلمانى مشوه وقعت فيه لجنة الخمسين عند اعداد الدستور فقد كان يمكنها وضع نظام انتخابى مؤقت للبرلمان القادم تتوافق عليه اللجنة ويؤيده الشعب ويترك لمجلس النواب الجديد مهمة وضع قانون جديد، وبذلك نكون قد حسمنا أزمة النظام الانتخابى التى تم تصديرها للرئيس السيسى. كما ارتكبت لجنة الخمسين أخطاء أخرى فى حق انتخاب مجلس النواب عندما عملت على ترضية الفئات التى يطلق عليها مهمشة على طريقة ما يطلبه المستمعون فأطلقت على تمثيل المرأة تمثيلاً مناسبًا، وعلى تمثيل العمال والفلاحين والمسيحيين والشباب تمثلاً ملائمًا وعلى تمثيل المحافظات والسكان فى عدد الدوائر الانتخابية تمثيلاً متكافئًا، ولم تشرح اللجنة الفرق بين المصطلحات الثلاثة كما لم يرد ذلك فى أوراقها التحضيرية لمعرفة الفرق بين المناسب والملائم والمتكافئ مما جعل لجنة اعداد قانون الانتخابات تتصرف على مزاجها فى توزيع المقاعد البرلمانية والدوائر الانتخابية وهو ما يهدد بالطعن على دستورية النظام الانتخابى ويهدد مجلس النواب الجديد بالحل. البرلمان الجديد يحظى بأهمية خاصة فهو يأتى بعد معاناة عاشها الشعب لمدة 3 سنوات لبناء مصر الجديدة، ويكون أداة تشريعية للشعب وبدون برلمان قوى لن تتحقق أمانى الشعب المصرى وأهداف ثورتى 25 يناير و30 يونية، كان البرلمان فى السابق أداة فى يد الحاكم الذى كان يزور الانتخابات ويأتى بنواب مختارين لينافقوه إلى أن وصلنا إلى ثورة 25 يناير. المعارضة على مقاس الحاكم أمر مرفوض، الشعب المصرى عاش عشرات السنين بدون أحزاب حقيقية لأنها كانت محاصرة وسجينة مقراتها ولم يسمح لها بالعمل فى الشارع وتحولت معظم الأحزاب إلى مجرد مقر ويافطة وتليفون وهى أقرب إلى محل الحانوتى، بدون أحزاب قوية سيصبح مجلس النواب بدون جبهة قوية وسيعانى الشعب من المجلس القادم عندما يسيطر عليه مستقلون بدون هوية سياسية، ويتحول برلمان بلا أنياب حقيقية.