بدأت السلطات السورية بالإفراج عن المعتقلين المشمولين بمرسوم العفو الذي أصدره الرئيس السوري بشار الأسد بعد نحو أسبوع من فوزه في الانتخابات الرئاسية، والذي يعتبر الأكثر شمولا منذ وصول عائلة الأسد إلى السلطة قبل حوالى خمسين عاما. وسيؤدي بشار الأسد اليمين الدستورية في 17 تموز/يوليو، ويبدأ ولاية رئاسية ثالثة من سبع سنوات، وذلك بعد أكثر من ثلاث سنوات على بدء حركة احتجاجية تطالب برحيله تحولت إلى نزاع مسلح دام أكثر من 162 ألف قتيل. وذكر رئيس المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية أنور البني أن مرسوم العفو الصادر الإثنين "هو الأكثر شمولا منذ وصول الرئيس الراحل حافظ الأسد إلى السلطة قبل حوالى 45 عاما". وأوضح أن العدد الأكبر للمشمولين بالعفو مرده أنه منذ صدور القانون حول الإرهاب في سوريا بعد بدء النزاع في تموز/يوليو 2012، تم اعتقال عشرة آلاف من الأشخاص". وقال البني "باشرت السلطات منذ يوم أمس بالإفراج عن المشمولين بمرسوم العفو (...). ويقدر عدد الذين أفرج عنهم أمس من سجن عدرا (في ريف دمشق) بالعشرات"، مضيفًا أنه "سيتم اليوم الإفراج عن دفعة جديدة". وأكد المحامي العام الأول في ريف دمشق زياد الحليبي لوكالة الأنباء الرسمية (سانا) أن مرسوم العفو "دخل حيز التنفيذ منذ إصداره"، مشيراً إلى أن "العمل جار داخل المحاكم بشكل دؤوب لاطلاق سراح من شملهم المرسوم". وبث التلفزيون السوري الرسمي صورا عن الإفراج عن معتقلين من سجن حماة في وسط البلاد. وهي المرة الأولى منذ بدء الأزمة التي يشمل قانون عفو صادر عن الأسد المتهمين في قضايا الإرهاب؛ كما يشمل المرسوم المقاتلين الأجانب الذين دخلوا سوريا "بقصد القيام بعمل إرهابي"، بحسب ما جاء في المرسوم، شرط أن يسلموا أنفسهم للسلطات. وتوقع البني أن يشمل العفو ناشطين ومعارضين معروفين مثل الحقوقي خليل معتوق المعتقل منذ تشرين الاول/اكتوبر 2012، والإعلامي الناشط مازن درويش والمدون حسين غرير وهاني الزيتاني الذين اعتقلتهم السلطات الأمنية في شباط/فبراير 2012، بالإضافة إلى الكاتب عدنان زراعي والفنان زكي كورديلو والطبيب جلال نوفل وآخرين. كما يفترض أن يشمل العفو عبدالعزيز الخير، المسئول في هيئة التنسيق الوطنية من معارضة الداخل المقبولة من النظام. وقال البني إن ورقة إخلاء رنيم، ابنة خليل معتوق التي اعتقلتها الأجهزة الأمنية في شباط/فبراير 2014، صدرت، وبات الإفراج عنها مسالة وقت. وحول المعتقلين في الفروع الأمنية والذين يتم التحقيق معهم ولم توجه إليهم التهم بعد، قال إن "أمر الإفراج عنهم يتوقف على الفروع الأمنية التي تقدر ما إذا كانت التهم الموجهة إليهم مشمولة بالعفو أم لا". وقال المحامي السوري ميشيل شماس الناشط في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان إن عدد المعتقلين في الفروع الأمنية يصل إلى خمسين ألفاً. في حمص (وسط)، أكد محافظ حمص طلال البرازي لوكالة فرانس برس "أن الموقوفين (حوالى مائة من ناشطي ومقاتلي المعارضة) في مدرسة الأندلس مشمولون بالعفو الرئاسي، وسيتم الإفراج عنهم خلال 72 ساعة بعد إتمام الإجراءات الإدارية"، مشيراً إلى أن الموقوفين الموجودين في مركز الاعتقال المستحدث هذا "هم من تخلف عن أداء الخدمة الإلزامية". ويشير المحافظ إلى مقاتلين وناشطين خرجوا من مدينة حمص خلال الأشهر الأخيرة على دفعات، بموجب تسوية مع السلطات، خلال فترة حصار عدد من أحياء المدينة على أيدي القوات النظامية. وتم في المدرسة التحقيق مع نحو 1500 شخص تمت "تسوية أوضاع" عدد كبير منهم وأفرج عنهم. وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، يعتقل النظام في سجونه أكثر من مائة ألف شخص، بينهم 18 ألفًا لا يعرف مكان وجودهم. وأصدر الأسد مراسيم عفو عدة منذ بدء الأزمة في منتصف آذار/مارس 2011. وأعيد انتخاب الأسد في عملية اقتراع اقتصرت على الأراضي التي يسيطر عليها النظام ونددت بها المعارضة السورية والدول الداعمة لها، بغالبية تقارب التسعين في المائة. وأوردت "سانا" الثلاثاء أن الأسد استقبل منافسيه في الانتخابات حسان النوري وماهر الحجار اللذين زاراه مهنئين. ونقلت الوكالة السورية عن الأسد قوله إن "التجربة الأولى للانتخابات التعددية في سورية كانت تجربة راقية وأبرزت وعي وثقافة السوريين في ممارسة الديمقراطية". واعتبر أن "المنتصر الأكبر في هذه الانتخابات هو الشعب السوري الذي واجه كل التحديات وتمكن بعزيمة قوية وإرادة صلبة من قول كلمته بشأن مستقبل بلده". وأضاف أن "نجاح العملية الانتخابية وإقبال المواطنين بكثافة على صناديق الاقتراع، أبرز بشكل ناصع قوة الشعب السوري وتمسكه بقراره الحر بالرغم من الظروف الصعبة والاستثنائية التي تعيشها سوريا ومحاولات البعض في الخارج فرض إرادته على السوريين". ميدانيا، تستمر العمليات العسكرية في أراض سورية مختلفة مترافقة مع غارات جوية كثيفة على مناطق في ريف دمشق ودرعا (جنوب) وحلب (شمال) وحماة (وسط). على خط المعارك المستمرة في دير الزور (شرق) بين تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" وفصائل في المعارضة المسلحة بينها جبهة النصرة المتطرفة، أفاد المرصد عن ارتفاع عدد القتلى في هذه المعارك منذ أربعين يومًا إلى 634 شخصًا على الأقل أغلبهم من الجهاديين من الطرفين. كما أرغمت المعارك أكثر من 130 ألف شخص على النزوح، حسب المرصد.