عاش من أجل المال ولقى مصرعه رميا بالرصاص من أجله، تلك هى قصة حياة رجل بسيط نشأ بين أسرة بسيطة وعقد العزم على أن يكون ثريا مثل كل الأثرياء، كافح منذ نعومة أظافره من أجل جمع المال، وكلما جمع ألف جنيه تزيد على حاجته سعى بكل جهده لجمع غيرها. كان يعمل فى بداية مشواره فى منطقة الصاغة بطنطا وتعلم حرفة تصنيع «علب» الذهب بكل أنواعها وأشكالها، ورويدا رويدا صار من الأغنياء بعد أن حول نشاطه بأمواله التى جمعها على مدار سنوات الشقى والشظف إلى تجارة الذهب بالجملة، وأصبح عملاؤه أصحاب محلات الذهب. كان يتردد على أسواق المحافظات للبيع والشراء، يحمل فى حقيبته البسيطة «كنزه» الكبير من الذهب، كان يحتضن «حقيبته» كما لم يحتضن أحدا من قبل، يشعر بأنه جزء منها وليست هى جزءاً منه والتى كلما تضخم ما بها من مشغولات ذهبية زاد التصاقه بها حتى تكاد تشعر أنها جزء من شحمه ولحمه! والذى يعرفه جيدا، يشهد أن الرجل عاش من أجل الثراء ولكنه بعد أن أصبح ثريا عاش حياة الضنك والفقر المدقع بكل ما تحمله من معنى! وكان من الآخر مثالا حيا وصارخا للبخل، لم يعترف بينه وبين نفسه أنه أصبح ثريا ومن حقه وحق أولاده أن يعيشوا حياة الأثرياء، «قتر» عليهم وحرمهم من حياة كانوا يحلمون بها عن استحقاق! وبعد أن اشتد عود أولاده اشتدت خلافاتهم معه، فاضطر الرجل «الجواهرجى» الاستعانة «بعاطل» ليحل مشاكله مع نجليه الرجال. وكان بهذه الاستعانة فى الحقيقة يستقوى على نجليه بهذا الشقى والمعروف عنه البلطجة وفرض النفوذ، وبالفعل تدخل الشقى بين الأب ونجليه وحل مشاكلهم معه بطريقته، ولكنه فى ذات السياق تعرف على تفاصيل حياة الرجل وعلاقاته وما يملكه من أموال فى صورة مشغولات ذهبية يحملها فى حقيبته التى لاتفارق «جانبه» أبدا! وسال لعاب «العاطل» على كنز الجواهرجى الذى عاش يجمع فيه وبخل به على أولاده، بل وبخل به قبل ذلك على نفسه، فقد كانت حياته صورة مجسدة للتقشف، فخطط للاستيلاء على الحقيبة، وانتهز فرصة معرفته بتفاصيل خط سيره بين المحافظات بحقيبته واستخدامه القطار «القشاش» وجلوسه بين ركاب الدرجة الثالثة بحقيبته التى بداخلها مشغولات ذهبية تزيد قيمتها على مليون ونصف مليون جنيه. وبالفعل نجح فى استقطاب عاطلين ورسم لهما خطة تتبع الجواهرجى فى قطار طنطا - المنوفية، وكيف سيقومان بتثبيته بالطبنجة بعد شل حركته بمخدر رش وتهديده بالقتل ثم الاستيلاء على الحقيبة والنزول من القطار بعد تهديد الركاب بالقتل إذ تجرأ أحد منهم على الاقتراب منهما، وبالفعل تم تنفيذ الخطة وفق ما خطط لها. ولكن العبقرى الذى خطط لم يدرك أن الرجل «البخيل» بطبعه لن يفرط فى حقيبة كنزه الكبير بسهولة بل إنه فى الحقيقة سيموت عليها! وهو ما حدث بالفعل، ركب الجواهرجى القطار وتبعه اللصان الصغيران وفى محطة «كفر الشيخ سليم» التى تبعد عدة كيلومترات عن محطة طنطا شرعا فى تنفيذ جريمتهما وأشهرا الطبنجة فى وجه المجنى عليه ولكنه تماسك وتمسك بكنزه، رشا على وجهه المخدر، فزاد تعلقه بالحقيبة، أطلقا رصاصة فى سقف القطار، فلم يهن أو يخاف بل تحول إلى وحش كاسر يدافع عن «شقى» عمره، شعر اللصان بالخوف وبقوة المجنى عليه وبفشل مخططهما فى سرقته، فأطلقا عليه رصاصتين بالبطن، فمات وفشل مخططهما في سرقته. وفى النهاية، هرب اللصان بعد قتله رميا بالرصاص وبعد أن فشلا فى الاستيلاء على الحقيبة الملعونة! قفزا من القطار قبل أن يتحرك من محطة الكفر وكان فى انتظارهما سيارة ملاكى يقودها الزعيم الشقى والذى فوجئ بفشل خطته وفشل اللصين فى الحصول على الكنز! وتحول الجواهرجى إلى قتيل فى القطار رقم 544 طنطا - شبين الكوم. يخطر العميد حاتم عبد الله مأمور مركز طنطا بوجود قتيل فى قطار طنطا بمحطة كفر الشيخ سليم، ينتقل الرائد سامى الروينى رئيس مباحث المركز ويتبين من المعاينة أن الجثة لجواهرجى يدعى محمود الطايفة 65 عاما ومصاب بطلقتين بالبطن، ويستمع لشهود الواقعة من ركاب القطار كما يستمع إلى أوصاف قائد السيارة الملاكى التى كانت تنتظرهما بالمحطة على أمل وصولهما بالكنز الكبير. كما يتبين أن الحقيبة التى تمسك بها القتيل ودفع حياته ثمنا لها بداخلها مشغولات ذهبية وزنها 8 كيلو جرامات وبقيمة تزيد على مليون ونصف مليون جنيه. وأمام خطورة البلاغ يقرر اللواء علاء السباعى مدير مباحث الغربية، تشكيل فريق بحث لكشف ملابسات الحادث المثير والقبض على مرتكبيه بقيادة العقيد الداهية خالد عبد الحميد وكيل إدارة البحث الجنائى وعقل المديرية المتخصص فى فك طلاسم القضايا العويصة، ويبدأ فريق البحث فى فحص خلافات القتيل ويتبين أنه ليس على وفاق بنجله الكبير هانى 38 عاما، كما يتم فحص علاقته بنجله الثانى كمال 33 عاما وكريمته الثالثة، ولكن كل التحريات لاتضيف كثيرا لرجال البحث الجنائى، حتى توصل المقدمان محمد الكردى ووليد الجندى مفتشا المباحث الى شهود عيان لسائق السيارة التى كانت تنتظر المتهمين والتى تبين إنها تنطبق على العاطل حمادة البعطيطى 44 عاما، وهو صديق المجنى عليه والذى استقوى به على نجليه، وتتواصل تحريات فرق البحث ويتم التعرف على باقى الجناة تباعا وفى لحظة واحدة قام فريق بقيادة الرائد عمرو الطوخى رئيس مباحث قسم أول طنطا بالقبض على جميع المتهمين وهم البعطيطى الزعيم ومعاونيه أحمد سمير 19 عاما ومحمود أبوعمر 19 عاما وعيد عامر، كما عثر على الطبنجة المستخدمة فى قتل الجواهرجى, وتبين أنها طبنجة ميرى مسروقة من ضابط مباحث بجنوب سيناء واعترفوا تفصيليا بجريمتهم الكاملة، كما اعترف المتهم بما خطط له للتخلص من ديونه المتراكمة، ولكن حرص المجنى عليه على ماله كان أشد من حرصه على حياته وأنه أبى إلا أن يموت والحقيبة فى حضنه.