كما أصبح محمد على حاكمًا لمصر لإرادة الشعب، وبشروط الشعب، التى أعلنها زعماؤه عمر مكرم وعبدالله الشرقاوى والسيد أحمد المحروقى وبذلك بدأ صنع مصر الحديثة.. أصبح عبدالفتاح السيسى حاكمًا لمصر بإرادة الشعب.. وبشروط الشعب ليصنع مصر الحديثة، مرة أخرى. ولكن ذلك لم يحدث بجهد الحاكم وحده.. الأول محمد على أول من فهم طبيعة الأمة المصرية، فاستطاع أن يصنع المعجزة.. والثانى المشير السيسى عرف قوة هذه الأمة.. ولذلك عليه أن يلجأ للناس كلهم ليصنع بهم ثورة البناء والتنمية. وإذا كان عامة الشعب، من المطحونين، يحلمون بما يجب على الحاكم أن يقدمه لهم، تعويضًا عما عانوه سنوات طويلة.. فإن على أغنياء مصر أن يساهموا ويقدموا بعض ما ربحوه فى نفس السنوات.. ومن عرق الفئة الأولى ومساهمة الفئة الثانية يستطيع الحاكم الجديد، أن يفعل المستحيل.. ولكن ما هو المطلوب من الأغنياء، وبالذات الذين ربحوا المليارات فى السنوات الأخيرة. بداية نرفض اللجوء إلى سياسة المصادرة والتأميم.. فهذا كان من أبشع أخطاء عبدالناصر.. تمامًا كما نرفض عودة تدخل الدولة فى كل شىء وبالذات فى الاقتصاد.. تمامًا كما نرفض اقتصاد القطاع العام فالدولة صانع سيئ.. وتاجر أسوأ.. ولكن هذا لا يمنع «الاقتصاد الموجه» الذى يضع استراتيجية عامة.. ثم يقدمها للمستمرين المصريين.. وأيضًا بضوابط خاصة للمستثمرين الأجانب.. أى تحفظ حقوقهم.. دون وضع الحواجز والسدود أمامهم. مثلاً بالنسبة لكلا الطرفين: المستثمرين المصريين والأجانب على السواء.. لا نريد الصناعات الاستهلاكية، مثل مشروعات البطاطس المحمرة والمقرمشات والمياه الغازية، وافتتاح المولات العملاقة.. والتوسع فى «بلوة» التليفون المحمول.. وبالذات بعد أن أصبح فى يد المصريين 100 مليون جهاز محمول تستهلك الحصة الأكبر من دخل المصريين،حتىالبسطاء منهم.. دون أن تضيف شيئًا للاقتصاد الوطنى. نرفض كل ذلك لأن فيه كله إهدارًا لثروات الأمة، رغم أرباحها الهائلة التى تصب فى جيوب منفذيها: مصريين وعرب وأجانب. وتعالوا نذكر كل المصريين بما حدث خلال وبعد ثورة 19.. من بزوغ فكرة الاعتماد على المصريين فى بناء مصر الحديثة.. التى قامت على فكرة اقتصادى مصرى صميم هو طلعت حرب.. ومن قروش المصريين انشأ أول بنك مصرى صميم، لم يكن هدفه فقط مجرد العمل المصرفى.. بل كان استغلال نفس الفكرة لإقامة العديد من المشروعات الصناعية العملاقة، قام معظمها على انتاج مصرى واحد هو القطن.. ونتيجة لذلك أقام هذا الرجل وهو الوجه الاقتصادى لثورة 19 38 شركة عملاقة ومصانع كبرى، فى كل المجالات. هنا، لماذا لا يتكون «كونسرتيوم واحد» أى اتحاد مالى اقتصادى صناعى يساهم فيه كل رجال الأعمال.. كل بما يستطيع، وربما كل فى مجال واحد واضح ومحدد، وتعرض عليهم الدولة برنامجًا واضحًا للتنمية، ليس فقط لإحياء صناعات وطنية رائدة كانت قائمة.. بل لإقامة صناعات أخرى تتمشى مع متطلبات العصر، مثلاً: م ادام الشعب عاشقًا بهذه الدرجة للتليفون المحمول، لماذا لا نقوم بتصنيع هذا الجهاز مع متطلباته العصرية وتوابعها لنحد من استيراد كل ذلك. ولماذا لا نحيى فكرة انتاج سيارة ركوب شعبية، هى حلم كل المصريين على غرار السيارة الفولكس فى ألمانيا والفيات فى ايطاليا والترابانت فى ألمانياالشرقية.. نقول إننا بدأنا ذلك مع الهند فى سنة واحدة.. وها هى الهند تتقدم. وتنتج أيضًا مع سيارة الركوب، سيارات النقل والأتوبيس والمقطورات، بينما مصر تكتفى حتى الآن بتجميع العديد من السيارات العالمية من مرسيدس ويابانى وكورى وربما صينى.. وتفخر مصر الآن بكل أسف بأنها تنتج 40٪ من مستلزمات هذه السيارات فى مصر أم نخشى امبراطوريات تجميع هذه السيارات التى تحتكرها أسر تعد على أصابع اليد الواحدة. وتعالوا نحيى، وننعش، العديد من الصناعات الهندسية الأخرى مثل الثلاجات والسخانات والغسالات وأجهزة التكييف.. وغيرها من السلع الكهربائية المعمرة.. وكانت لمصر أيام د. عزيز صدقى تجارب ناجحة جدًا فى هذا المجال.. ثم لماذا سمحنا بقتل واحدة من أكبر الصناعات التى اشتهرت بها مصر وهى الغزل والنسيج.. حتى اننا قمنا ببيع معظم هذه المصانع كثيفة العمالة وكانت توفر حوالى ثلث القوة العاملة فى مصر.. أيامها.. وننعش معها صناعة الملابس الجاهزة: من الفانلة إلى البدلة. ومن البلوزة للفستان. وإذا كانت هذه الصناعة قد نجحت وعدد سكان مصر 25 مليون نسمة.. فهل تفشل وعدد سكانها الآن يتجاوز 95 مليون إنسان!!. ويبرز هنا دور المستثمرين المصريين للدخول بقوة فى هذه الصناعات ويقدمون انتاجها بأسعار تنافس المنتجات الصينية، بعد قبولهم حدًا أقصى للأرباح.. ليقبل الناس على شرائها. وهذه كلها صناعات كثيفة العمالة لحل مشكلة البطالة.. سريعة العائد ليحقق رجال المال احلامهم فى الأرباح، وكله ضمن استراتيجية واحدة.