عندما سئل الرئيس عدلى منصور عن مزايا كرسى الرئاسة التي دفعت غيره إلى التشبث به حتى لو تم قتل المصريين جميعًا قال: كله قيود، ومن يعتقد أن كرسى الرئاسة أبهة فهو واهم. لأول مرة فى مصر نجد رئيسًا يغادر قصر الرئاسة علي قدميه، ويدلى بصوته لانتخاب الرئيس الذى سيتولى المسئولية بعده، كان يستطيع عدلى منصور تمديد الفترة الانتقالية، ويصطنع المبررات لزيادة فترة حكمه، ولكنه أراد أن يضرب المثل فى الترفع ويعلمنا أن كل منصب سياسى مؤقت، واستن سنة حسنة فى تسليم وتسلم القيادة أو الأمانة.. مصر كانت أمانة فى رقبته وأداها علي أكمل وجه، ودخل ذاكرة التاريخ، وغيره ذهب إلي مزبلة التاريخ، هناك فرق بين رئيس كان يخاطب المصريين ببنى وطنى وآخر كان يقول أهلى وعشيرتى. عدلى منصور اسم ومعنى مشتق من العدل والنصر، هو نموذج فريد فى الحياة السياسية جاء إلى أرفع منصب فى الدولة،والمصريون لا يعرفونه وفى أقل وقت اكتسب احترام الناس جميعًا، وأعاد إلى منصب الرئاسة هيبته وكرامته التي كانت قد أهدرت، كان منصور يتصرف خلال المدة التي تولى فيها الحكم بطريقة خالية من الأخطاء، ويتعامل بقدر عالٍ من التواضع، ويعرف قيمة مصر وقدرها، كان أبا لكل المصريين، وظاهرة جديرة بالاحترام،ورئيسًا وقائدًا فى وقت فقدنا فيه الثقة فى الجميع. هذا الرجل العظيم عبر بمصر فى فترة وصلنا فيها إلى حد الاكتئاب، وتحمل مسئولية صعبة فى وقت صعب، فعل الكثير، وأصدر الكثير من القرارات الصائبة التي حافظت علي مصر، وأنقذت السفينة من الغرق، وما لم يفعله كان أهم مما فعله، لم ينفرد بالحكم وقال للذين سألوه عن الذى يحكم مصر بدون أن يغضب أو يثور أو يقول أنا الزعيم، قال: إن المؤسسات هى التى تحكم مصر لأننا دولة مؤسسات رغم أنه تسلم لا دولة من الإخوان الذين قطعوا أنفاسها. قال «منصور» أنا رئيس الدولة ولكن أتعامل مع مؤسسات، كان من الممكن أن يتحول «منصور» إلي ديكتاتور، ولكنه اختار أن يكون حاكمًا عادلاً حتى فى تعامله مع بعض الحكام العرب الذين استغلوا الظروف التي تمر بها مصر وكادوا لها كيدًا، وفى الحقيقة هو حاكم واحد أو أسرة حاكمة عربية ارتمت فى احضان الأمريكان وخرجت على الإجماع العربى، وتمردت على أبوة مصر وريادتها، لم يعاملها «منصور» بالمثل، أخذ موقفًا من هذه الأسرة الحاكمة وقال صبرنا طال عليهم، ولكنه رفض استعمال الخشونة مع طلاب هذه الدويلة الذين يدرسون فى مصر، ووافق علي زيادة المنح الدراسية لهم، وقال قولته الرائعة: نحن لا نعاقب الشعوب العربية على تصرفات حكامها. منصور القيمة والقامة أعاد الاحترام للنشيد والعلم الوطنيين اللذين أهينا فى عهد الحكم الفاشى الإخوانى، واستن سننا حميدة فى تكريم المصريين الذين أعطوا لمصر من علمهم ودمهم ومنح القلادات والنياشين للذين أجادوا، وأضاءوا شمعة للعلم والاستقرار والدفاع عن تراب الوطن، وأعاد «منصور» الثقة والهيبة للقضاء المصرى وللمحكمة الدستورية العليا بعد أن أهان الإخوان القضاء المصرى الشامخ وأساءوا إلي المحكمة الدستورية العليا وقضاتها الأجلاء. أقل واجب نقدمه للرئيس منصور وهو يغادر قصر الرئاسة هو أن يقول كل مصرى شكرًا لهذا القاضى الجليل الذى حافظ على الأمانة، وأن يقيم الرئيس «السيسى» حفل تكريم له سيظل التاريخ هذا القاضى الجليل فى أنصع صفحاته. إن كل النياشين لن توفى منصور حقه لأنه دخل قلوب كل المصريين.