الفن المصرى عبر التاريخ كان له الدور الأبرز فى تقديم الشخصية المصرية الحقيقية، واستطاع هذا الفن أن ينفذ إلى قلوب كل العرب، بما يحتويه من إبداع حقيقى جعل اللهجة المصرية هى الرائجة وهى لغة التفاهم الأولى بين الشعوب العربية، فالخليجى والمغربى أو التونسى إذا أرادوا التفاهم يذهبون سريعاً إلى المصرية بكل ما تحمله من مفردات عبقرية، وكانت السينما والأغنية والدراما والمسرح هى رسائل الأخوة العرب لتعلم المفردات المصرية بنطقها الصحيح. فى مجال الغناء كانت السيدة أم كلثوم رحمها الله توحد العرب فى الخميس الأول من كل شهر، وحتى الآن مازالت أعمالها هى الخيار الأول لكل شعوب العالم العربى من المحيط إلى الخليج، وحتى الأسماء الشابة من المطربات المصريات مثل آمال ماهر وريهام عبدالحكيم ومى فاروق ومروة ناجى وقبلهن سوزان عطية وأخريات استمددن شهرتهن فى العالم العربى من أداء أغانى أن كلثوم، رغم أن بعضهن لهن أعمالهن الخاصة لكنها لم تحظ بالبريق الذى يعطيها الاستمرارية بعيداً عن أم كلثوم. الشخصية المصرية الثانية فى عالم الغناء كان العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ فتى العرب الأول فى عالم الغناء حتى الآن، ولم يستطع أحد أن يهز عرشه رغم سنوات الرحيل الطويلة، حتى عندما تحل ذكراه يحتفل به الجميع وكأنه مازال موجوداً لدينا، أما عبدالوهاب موسيقار الأجيال وصاحب الصوت والألحان الذهبية التى تخطت وتجاوزت كل الحدود فهو مازال لدى العرب الملك المتوج، ويأتى محمد فوزى وعبدالمطلب وكارم محمود وعبدالعزيز محمود وعفاف راضى والحجار ومحمد العزبى ومحرم فؤاد وليلى مراد وشادية ونجاة ونجاة على وحورية حسن ومن الملحنين السنباطى وسيد درويش والموجى وبليغ حمدى ومحمود الشريف ومحمود سلطان وحلمى بكر ومحمد على سيلمان وعمر خيرت وعمار الشريعى وياسر عبدالرحمن والأخوان صلاح وفاروق الشرنوبى، كل هذه الأسماء لها رصيد لدى العرب واستطاعوا أن يقدموا الشخصية الغنائية الفنية والثرية فى كل شىء، لذلك التف العرب حول هذه الأسماء لأنهم قدموا الغناء الجاد والمحترم، والآن ونحن على أعتاب مرحلة جديدة من عمر مصر يجب ألا نصدر الغناء الهابط الذى انتشر خلال السنوات الأخيرة والذى يعتمد على موسيقى هزيلة صاخبة لا تقدم إلا للسكارى وأصحاب المزاج، مصر أم كلثوم وعبدالوهاب يجب ألا تصدر من الغناء إلا كل ما هو جاد، وبالتالى يجب أن تكون هناك حرب شرسة ضد هذا الفن المتدهور السلوك قبل النغمات ومازال لدينا على قيد الحياة محمد على سليمان ومحمد سلطان وحلمى بكر والشرنوبى متعهم الله بالصحة ونستطيع أن نقول للعالم العربى: نحن جادون فى معركتنا ضد الهلس وشيطنة الأغانى ليس الغناء فقط الذى يحتاج إلى حرب ضده، ولكن السينما أيضاً خلال السنوات الأخيرة لم تقدم لنا سوى الهلس والعرى على طريقة أفلام «حلاوة روح» و«عبده موتة» و«كلمنى شكراً» و«الريس عمر حرب» و«حين ميسرة» و«بون سواريه» و«ريكلام» و«أنا بضيع يا وديع» و«البرنسيسة» و«أحاسيس» و«قلب الأسد» و«الألمانى» و«شارع الهرم» و«حصل خير» و«عمر وسلمى» و«كتكوت» و«تك تك بوم»، مع الاحترام الشديد لصناع هذه الأفلام لكن السينما المصرية ليس هذا الكم من الإباحية، فالأفلام التى تناولت الحارة المصرية أظهرت المرأة المصرية وكأنها لا تبحث سوى عن شهوتها وأن رجال مصر لا يبحثون سوى عن الفياجرا والتلصص على النساء، ونغمة أن أفلام هند رستم كان بها إغراء وأن ثلاثية نجيب محفوظ كانت تقدم فتيات الليل فهذا أمر من العيب الخوض فيه، لأن هذه الأعمال كانت تقدم بقدر كبير من الاحترام، والنماذج السوية كانت موجودة ففى الثلاثية قدم محفوظ «سى السيد» الرجل الذى يسعى خلف العوالم، وفى المقابل كان ابنه يكافح ضد الاحتلال حتى قتل، وكان العمل يرصد حال مصر خلال هذه المرحلة، أما الآن فنحن نرصد الدم والمخدرات والتحرش وكشف العورات، ونقول إن أفلامنا كانت تتوقع الثورة، فهذا كلام خطأ، السينما المصرية تعانى الآن حالة فقر إبداعى، رغم وجود مخرجين كبار مازالوا بيننا، ولكنهم ابتعدوا كنوع من الاعتراض على ما يقدم، وأبرزهم المخرج الكبير على عبدالخالق، ومحمد النجار، وعلى بدرخان، وخيرى بشارة، وخان، ورأفت الميهى، وشريف عرفة، لذلك السينما بحاجة أن تعيد النظر فى أعمالها، فالعائد ليس مقياس النجاح، السينما المصرية عبر مشوارها قدمت أعمالاً تدرس.. شاهدوا أفلام الريحانى وفاتن حمامة وعمر الشريف والمليجى وزكى رستم ورشدى أباظة وفريد شوقى وليلى مراد وأنور وجدى وشادية ومديحة يسرى وإسماعيل يس وحسين صدقى وحسين رياض وأحمد مظهر وأحمد رمزى وحسن يوسف وشكرى سرحان.. مئات من الأسماء أقلهم موهبة كان يستطيع أن يحمل اسم جيل بأكمله هذه الأسماء قدمت العنف والمخدرات أيضاً لكنهم قدموه بالشكل الذى نصدقه ولا يسىء لمصر. أما الدراما فمنذ أن انتقل أهل السينما إليها بفكرهم وهى تعانى أزمة لانتقال الخلاعة والعرى والهلس و99٪ من هذه الأعمال للأسف تقدم خلال شهر رمضان، ورغم ذلك لم يحترموا الشهر، وبعيداً عن هذا أصبحت أغلب الأعمال مستهلكة فى كل شىء بداية من القضية المحورية مروراً بالحوار ونهاية بالمشاهد، لذلك نجد أن الدراما السورية أخذت وضعاً مهماً حتى لو تراجعت من حيث الكم بسبب الحرب السورية، ثم ظهرت الدراما التركية بمشاهدها البديعة التى تبهرك بطبيعة وطنهم، حتى استغلالهم للقضايا التى تهدد مجتمعهم لا يكون بالشكل الذى يسىء لوطنهم الأتراك قدموا صورة تحب أن تشاهدها حتى لو أن القضية الخاصة بالعمل مستهلكة، الدبلجة السورية ورقى الحوار المكتوب بالعربية أيضاً كان له سبب فى انتشار هذه الدراما فى عالمنا العربى، أما الحوار عندنا فى مصر فهو يستخدم مفردات سوقية يجب ألا تكون ضمن عمل مصرى نصدره للأشقاء فى الخليج مثلاً باعتباره أكبر سوق مفتوحة على مصر، الحوار فى الدراما المصرية أصبح عبارة عن وصلة من الإباحية والردح المبالغ فيه، والغريب أن هناك أناساً تقول «دى حرية إبداع» الحرية لا تعنى الإباحية والإسفاف لكنها تكون فى جرأة فكر، لذلك الدراما المصرية أصبحت سيئة السمعة بحكم ما نشاهده خاصة خلال السنوات الخمس الأخيرة، عندما انتقل زمام الأمور إلى الفئة المهاجرة من السينما إلى الدراما، وعندما تصور بعض الشباب أنهم أكبر من أن نقول لهم عيب، وعندما تصوروا أنهم أكثر إبداعاً من أسامة أنور عكاشة ويسرى الجندى وصالح مرسى ومحفوظ عبدالرحمن ووحيد حامد ومحمد صفاء عامر ومحمد جلال عبدالقوى ومحمد السيد عيد. الفن هو الشىء الوحيد فى مصر الذى يمكن تصديره فى أسرع وقت ممكن، لكن على القائمين عليه أولاً أن يراعوا أن مصر فى حاجة لمن يقف بجوارها وليس لمن يقف ضدها، والأعمال الفنية الأكثر انتشاراً خلال السنوات الأخيرة ليست فى صالح البلد، وتسقط حرية الإبداع لو ظلت تعتمد على الجنس والمخدرات وهز الوسط.